مصباح الأحدب أشبه ما يكون بـ «دونكيشوت». الـ «دون جوان» الطرابلسي يصارع طواحين الهواء الزرقاء، ويرفض الاستسلام لـ «القدر السياسي» الذي رسمه له سعد الحريري. حركة لافتة سجّلت له أخيراً تضمّنت انفتاحاً على الخصوم
منذ إبعاده عن لائحة التوافق الطرابلسي في انتخابات 2009، وخوضه الانتخابات النيابية في ذلك العام منفرداً حاصداً قرابة 18500 صوت، رفض النائب السابق مصباح الأحدب الاستسلام لـ «قدر سياسي» تمثل في تحالف «كبار طرابلس» الذي عزف كثيرون عن مواجهته. ومع أن الرئيس سعد الحريري، بعد إسقاط حكومته عام 2011، أبدى ندمه على التحالف مع الرئيس نجيب ميقاتي والنائب محمد الصفدي على حساب الأحدب والنائب السابق مصطفى علوش، فإن الندم لم يجرِ «تقريشه». وإذا كان علوش قد عُوّض جزئياً بتعيينه منسقاً لتيار المستقبل في عاصمة الشمال، بقي الأحدب خارج الحسابات الزرقاء، ما جعل علاقة الرجلين تمرّ بفتور واضح.
لذا كان على «النائب الوسيم»، الذي لم يوفّر الحريري وتياره من انتقادات لاذعة، الاعتماد على نفسه، والمزايدة على تيار المستقبل سنياً في كثير من المواقف، من قتال حزب الله في سوريا إلى قضية الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية، وما بينهما الموقف من المطلوب شادي المولوي، حتى بدا أحياناً وكأنه يصارع طواحين الهواء. لكن هذا كله من دون أن يخرج، لا في مواقفه ولا في حراكه السياسي، من فلك 14 آذار… إلى أن أطل نهاية الأسبوع من دارة الوزير السابق عبد الرحيم مراد، بعد تواصل مع شخصيات سنية من خصوم المستقبل كالرئيس سليم الحص ورئيس حزب الحوار فؤاد مخزومي. فهل قرّر أخيراً «نقل البارودة»؟
يجيب الأحدب: «أنا درويش، لست في 8 ولا في 14 آذار. أحكي مع الكل، ولا أقطع مع أحد». ويوضح أن علاقته «عادية، مع تيار المستقبل ومع غيره. لقد دفعت أثماناً غالية، وأنا اليوم منغمس في الشأن العام، وأتواصل مع القاعدة الشعبية في طرابلس».
وعن الغاية من زيارته مراد، يقول: «أعمل على مبادرة غير سياسية أطلعته عليها. كذلك أطلعت عليها أيضاً آخرين، كالرئيس الحص والمفتي عبد اللطيف دريان وإسلاميين ويساريين ومقربين من الحريري وميقاتي، وشخصيات منها فؤاد مخزومي وسواهم»، رافضاً تصنيف هذا التواصل المستجد كإحدى ثمار الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل. ويقول: «أي حوار هو جيد، والتلاقي مفيد، ولكن هذا وحده غير كافٍ»، مستغرباً «هذا الوضع السياسي الذي قام نتيجة انتخابات جرت تحت شعار «ما منقبل والسما زرقا»، وها هم اليوم يمشون في مسار سياسي بعيد عن القواعد الشعبية، ولا يحاولون التوصل إلى تسوية منطقية، بل إلى تسوية تبقيهم في الحكم، لكنها تجعلهم أقلية. وهذا لا يشكل عامل استقرار، لأن التسوية التي يسعون إليها تحت شعار محاربة الإرهاب، ونحن معها، ينبغي أن تعني محاربة الإرهاب كله وليس فئة معينة منه، فضلاً عن مطالبة حزب الله بالانسحاب من سوريا».
وعما إذا كانت مواقفه نتيجة اقتناعه بأنه لم يعد له مكان على لوائح تيار المستقبل في طرابلس، خصوصاً بعد دخول أسماء جديدة على الساحة السياسية مثل وزير العدل أشرف ريفي، فضلاً عن التقارب الأخير بين المستقبل والوزير السابق فيصل كرامي؟ يرد الأحدب: «ليست هناك انتخابات نيابية اليوم حتى نتحدث بهذا الشكل. ولا أرى أحداً يزاحمني على مقاعد طرابلس السّنية الخمسة، وعندما تحصل الانتخابات عندها لكل حادث حديث». غير أنه يقرّ بأن «طرابلس تشهد خلط أوراق»، متحدثاً عن «ظهور مسلح ليلاً، وتشكيل مجموعات مسلحة جديدة في المدينة»، متسائلاً: «كيف نحكم لبنان بهذا الشكل وداعش تنتظرنا على الحدود؟».