تحدثت كثيراً عن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، قبل فوزه وبعد فوزه على المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس… وأسهبت في شرح الأسباب التي دفعتني الى تأييد ترامب، مركّزاً على قوّة شخصيته، ومعرفتي بأنه يفي بوعوده وعهوده… وهو كما يُقال باللبناني الدارج: «عند كلمتو».
وأسترجع اليوم، مع قرّائي الأعزاء، ما قاله وما فعله دونالد ترامب خلال دعوته الى مائدة المواطن الأميركي من أصل لبناني حسن عباس المقيم في ولاية ميشيغن، ولديه مطعم شهير في مدينة ديربرون…
يومذاك، اعترف حسن عباس بأنه عديم الخبرة بالسياسة، لكنه أحسن التفاوض مع ترامب الرئيس الأميركي الأصعب مراساً. فالمواطن اللبناني الأصل حسن عباس، عندما تواصل معه مساعدو ترامب، كي يستقبل الأخير في مطعمه، حتى يمكنه التقرّب من أبناء الجالية اللبنانية المقيمين في ولاية ميشيغن المتأرجحة. أصرّ (أعني حسن عباس) على الحصول على ضمانات وتعهدات مسبقة من ترامب كشرط لموافقته على استقباله في مطعمه. والتعهّد الأساسي الذي طلبه هو أن يعد ترامب الجالية اللبنانية وجاليات ميشيغن العربية والإسلامية، بشكل مُسْبق، وقبل أن تخطّ قدماه عتبة مطعمه، بأنه سيوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان في حال فاز برئاسة الولايات المتحدة الاميركية.
وفقط.. بعد أن ضمن حسن عباس بأنّ ترامب وافق على شرطه، وبعد أن قرأ بعينيه تغريدة على منصة «اكس»، موقّعة من ترامب، جاء فيها أنه سيبادر الى وقف الحرب على لبنان فور وصوله للبيت الأبيض، فتح حسن عباس مطعمه أمام ترامب الذي جاء في مهمة ليست «قليلة» أو فلنقل: ليست سهلة… وهي جعل جاليات ميشيغن يتحوّلون لأوّل مرّة من تأييد الحزب الديموقراطي الى تأييد الحزب الجمهوري، ومن تأييد مرشحة جو بايدن الى تأييد ترامب تحديداً.
الآن… صار لدينا ولأول مرة، ورقة اسمها اتفاق مطعم حسن عباس مع ترامب… وبموجبها يتعهد الرئيس الاميركي الأقوى، بالعمل على وقف الحرب الإسرائيلية على لبنان فور دخوله البيت الأبيض.
وأعود لأقول: إنّ البناء على إنجاز حسن عباس، والوعد الذي قطعه له ترامب ضرورة حتمية… وها هو رئيس مجلس النواب نبيه بري، الرجل الحكيم، الذي يعرف كيف يتعامل مع الفرص التي تصب في مصلحة لبنان، وفي حديث صحافي ذكّر ترامب بوعده لحسن عباس.
يجدر هنا في حكاية «عباس وترامب» التوقف أمام أمر لافت وبارز ويدعو للتأمل طويلاً: ومفاده أن المواطن الأميركي من أصل لبناني حسن عباس لم يطلب من ترامب شيئاً لنفسه.. بل كل ما طلبه حين شاهد ترامب يزوره ويقول له: «شبيك لبيك.. ترامب بين يديك»، أجاب: كل ما أريده فقط هو السلام لبلدي الأول لبنان… وكل ما أريده وأطلبه حصراً هو وقف العدوان عليه.
بالتأكيد كان يمكن لحسن عباس أن يطلب الكثير لنفسه… لكنه لم يفعل، كان يمكنه أن تلمح عيناه حينما عرضت عليه فكرة إسداء خدمة انتخابية لترامب… وأن يفرض الصفقة التي يريدها فيجاب طلبه، وأن يحقق لنفسه ما يحققه الكثيرون… وللأسف الشديد، من سياسيّي لبنان… لكن حسن عباس لم يفعل ذلك…
صدقوني… إنّ واقعة اتفاق ترامب – والمواطن اللبناني عباس، تنتمي الى مدرسة سياسية وديبلوماسية وأخلاقية غير متوفرة عند الكثيرين من ساسة لبنان.
وأعتقد جازماً… أنّ ما قام به عباس، هو أسمى أنواع التضحيات والبذل والعطاء على درب الجلجلة التي يعيشها لبنان..
إنّ لبنان اليوم يمرّ في محنة صعبة وقاسية… واللبنانيون يعيشون أمرّ الأيام وأشدّها قسوة… النازحون في المدارس بلا مساعدات قيّمة… وفصل الشتاء وبرده الشديد الذي لا يرحم على الأبواب.. وكثير من النازحين لا يزالون يفترشون الأرصفة والساحات.
ما قام به عباس.. سيذكره التاريخ بأحرف من نور.. وأنا على ثقة تامة، بأنّ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب سيقف حتماً أمام ما فعله عباس… وسيكون داعماً لمواقفه، لأنه وجد فيه الصدق والشهامة والإباء والترفّع عن صغائر الأمور.
ترامب صاحب مبادئ… لكنه لا يحبّ التزلّف إليه… وهو بالتأكيد يَسْتصْغر كل من يذلّ نفسه أمامه.
ولنتذكر ما قاله أحد الحكماء: أصحاب المبادئ يعيشون مئات السنين، وأصحاب المصالح يموتون مئات المرّات.
وأصحاب المبادئ كحسن عباس، لا يتغيّرون مهما تغيّرت الظروف، وصاحب المبدأ واضح وثابت، تأمن جانبه، بينما أصحاب المصالح راحلون، أينما حلّت مصالحهم تواجدوا لاقتناص الكثير منها.
أما نحن العرب… فقد رحّبنا بفوز ترامب على أمل في أن تتمكن إدارته الجديدة من إنهاء الحروب المستمرة.
أملنا كبير أن يستخدم ترامب مهاراته بصفته رجل أعمال ناجح للتوسط في السلام بين الدولة العبرية والعرب الذين ظلمتهم إسرائيل…
إنه قوي… وأنا أؤمن به… وأعتقد أنه قادر على صنع السلام مع العرب…
وليعلم من يوافقني الرأي، أن ترامب سيثبت للعالم كله… أنه رجل المواقف… وأنه سيفي بكل وعوده وعهوده غير آبه بلوم اللائمين والمنتقدين.