Site icon IMLebanon

هل تعود أميركا عظيمة مع ترامب؟

 

 

 

نجح الجمهوري دونالد ترامب في تحقيق انتصار مزدوج وكبير في معركته الرئاسية للعودة إلى البيت الأبيض في ٢٠ يناير ٢٠٢٥ تحت شعار: «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى». وتحقق هذا النصر أولاً عندما أجبر ترامب منافسه الديمقراطي الرئيس الحالي جو بايدن على الانسحاب من السباق الرئاسي بعد مناظرة كارثية من جانب الأخير، وترشيح وتكليف نائبه كامالا هاريس لخوض السباق عن الحزب الديمقراطي في أمتاره الأخيرة في محاولة لتعويض نسبة التأييد الكبيرة التي خسرها بايدن بعد الحروب الدموية التي طبعت عهده من الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وزجّ الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو بها لتضع المجتمع الدولي على حافة حرب عالمية ثالثة، إلى حرب الإبادة الجماعية في غزة وفلسطين وامتدادها إلى لبنان وساحات الشرق الأوسط من سوريا إلى العراق واليمن وصولاً إلى إيران. وبعد ذلك جاء ثانياً النصر الحاسم على كامالا التي عجزت عن إقناع الغالبية من فئات الشعب الأميركي بطروحاتها ومنها ادّعاءاتها حول ما يجري من سفك الدماء في غزة بشكل رئيسي وأساسي، ودورها الذي زعمته في سبيل وقف شلال الدم وتحرير الرهائن، وهو ما لم تعمل به بشكل حقيقي وفاعل طوال سنة كاملة منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ بصفتها نائب للرئيس بايدن المسؤول وإدارته وبالشراكة الكاملة عن الجرائم والمجازر الواقعة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، سواء عبر تقديم هذه الإدارة للأسلحة الفتّاكة والأموال والدعم اللامحدود للكيان الصهيوني، أو عبر استخدامها لحق النقض في سبيل تعطيل ومنع استصدار القرارات اللازمة من مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار ووضع حد لهذه الحرب الوحشية التي ألحقت بالشعب الفلسطيني نكبة ثانية تفوق نكبة العام ١٩٤٨، كما ألحقت بلبنان وجنوبه نكبة كبرى لا تزال متواصلة ومعالمها ظاهرة مع تواصل الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار.

نجاح الرئيس ترامب كان هائلاً وعظيماً مع فوز الحزب الجمهوري بالغالبية في مجلس الشيوخ ومجلس النواب، ولم يتأخّر الوقت حتى بدأ الرئيس المنتخب بتشكيل إدارته، وبدا في اللقاء الذي جمع بين الرئيسين الحالي والمنتخب أن صفحة الصراع والخلافات الانتخابية بين دونالد وجو قد طويت، وأن تعاوناً وتنسيقاً كبيرين سيحصل تمهيداً للتسليم والتسلّم بين الإدارتين ولتحقيق النجاح المعهود في الديمقراطية الأميركية من جهة، والوعود الترامبية من جهة ثانية لناحية وقف الحروب وإحلال السلام في الشرق الأوسط والعالم. وبدا في هذه الفترة الأخيرة من رئاسة بايدن أن المناطق المحترقة من أوكرانيا الزيلنسكاوية إلى الشرق الناري والنازي الممتد بين طهران وتل أبيب، ستشهد تسخيناً وغلياناً متصاعداً حتى الدرجات الأخيرة قبل أن تحلّ ملائكة ترامب وتنشر رسائلها السلمية لمن أطاع والحربية لمن خالف أو شكّل تهديداً لما يرسمه العم دونالد، وهو رسم لا يتوقف فقط عند إبداعات العبقرية الترامبية الصرفة، بل خطوطه تأخذ من ألوان وريشة حكام العالم من دهاء وصلابة العبقري فلاديمير بوتين، وشريكه شي جينبينغ العظيم، والذين أثبتا أنهما بقوتهما العسكرية والاقتصادية قادران على إعادة التعددية القطبية إلى النظام العالمي ليشاركا ولو بنسبة أقل من الولايات المتحدة الأميركية في قيادة العالم الجديد. فهذا الدب الروسي الذي دخل كرم أوكرانيا لن يخرج منه، وهو ينتظر بقدوم ترامب تفرُّق جمع المزارعين الأغبياء من حول زيلنسكي، بعد أن تمّت المقايضة الروسية – الأميركية في سوريا الجديدة التي أعطت سلطاتها الإنتقالية ضمانات مؤقتة لقواعد موسكو العسكرية في الساحل السوري، وبعدها خرائط جديدة تلائم العصر.

 

كيف تعود أميركا عظيمة مع ترامب؟ بخلاف السياسات الاقتصادية المحلية والملفات الداخلية ومواقفه من المسائل المتعلقة بالهجرة والمهاجرين، ومحاربته للشذوذ ولنشر ثقافة الشذوذ في التعليم وباقي الشؤون الاجتماعية والحياتية للمواطن الأميركي، والتي يسعى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لأن يعيد بها أميركا عظيمة مجدداً وفقاً لشعار «ماغا» MAGA (Make America Great Again)، فإنه يريد تحقيق ذلك أيضاً على الصعيد الدولي ليعيد الاستقرار العالمي في عهده وتحت قيادة الولايات المتحدة الأميركية العظيمة، ولو بصورة ونسق مختلف لتوزيع وتوازن القوى في العالم، وهو أمر حتمي يفهمه العم دونالد منذ ولايته الرئاسية الأولى التي يتفاخر بأنها كانت ولاية سلام في العالم بعكس ولاية بايدن التي أغرقت أميركا وأوروبا والشرق الأوسط في حروب ودماء كان يمكن تجنبها وتحقيق مكاسب دبلوماسية أكبر مع إدارة أقل غباء من إدارة بايدن وقادة الناتو الحاليين، وهذا ما أعلن عنه ترامب مراراً خلال مجريات الحرب الطاحنة في أوكرانيا في غزة والشرق الأوسط. ويمكن قراءة السياسة الترامبية وكيفية تحقيق أهدافها من خلال ما أنجزه ترامب وسياساته المعتمدة في ولايته الرئاسية الأولى، ومن خلال مواقفه السياسية المعلنة في أثناء ولاية الرئيس الحالي بايدن، ومنها التالي:

 

• عدم إدخال الولايات المتحدة الأميركية في حروب مباشرة، واعتماد الدبلوماسية القوية والحازمة بدلاً من الوسائل العسكرية لتحقيق الأهداف السياسية. والقدرة على التواصل والتفاهم مع قادة العالم وأحياناً الضغط عليهم وإمكانية فرض العقوبات والسياسات بما في ذلك على القادة الحلفاء في دول الغرب والقادة المنافسين في الشرق من روسيا إلى الصين إلى كوريا الشمالية.

• عقد صفقات أسلحة بمليارات الدولارات مع الدول العربية لتأمين حمايتها من الخطر والتهديدات الإيرانية، ودفعها إلى التطبيع مع إسرائيل، واعتماد سياسة عقابية وأكثر صرامة ومغايرة لسياسة الحزب الديمقراطي مع إيران وجماعات الإسلام السياسي، والانسحاب من الاتفاق النووي بما يمثل تهديداً لطهران باللجوء للخيار العسكري لضرب البرنامج النووي الإيراني في حال أصرّ النظام على عسكرة برنامجه النووي، أو على ممارساته العدوانية عبر الميليشيات التي يدعمها في الشرق الأوسط وتهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر عبر جماعة الحوثي في اليمن.

 

• التعامل مع قادة أوروبا من موقع القيادة والقوة العظمى للولايات المتحدة الأميركية وليس من موقع الحليف الموازي، والضغط على الأوروبيين لزيادة مساهماتهم في حلف الناتو الذي يقدم الحماية لهم من الخطر والتهديد الروسي. وإذا كانت الولايات المتحدة قد ورّطت أوروبا مع روسيا في حرب أوكرانيا لاستنزاف روسيا أولاً، ولإبقاء أوروبا في موقع التابع ثانياً، فإن نظرة ترامب كانت مختلفة وترى حماقة في هذه السياسات التي اعتمدت من قبل أميركا والدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو، وهو يعتبر انه كان قادراً عبر الدبلوماسية في احتواء روسيا، وفي إبقاء القيادة الأميركية وهيمنتها على سياسات أوروبا دون هذه الكلفة الكبيرة من الحروب والأموال التي كان يحصل عليها زيلنسكي كأفضل بائع من وجهة نظر ترامب، وهو ما يجب أن يتوقف فوراً مع دخوله إلى البيت الأبيض في العشرين من الشهر القادم.

منذ إعلان فوز ترامب في انتخابات الخامس من تشرين الثاني ٢٠٢٤، وهو الرئيس والتاجر المبدع الذي يصعب التوقع بقراراته ويخشى جانبه من الحليف والمنافس، والمنطقة في حالة من التحولات السريعة والمدهشة، وليس أولها التراجع الإيراني الفعلي سواء على مستوى الردود الموعودة على استهداف أراضيها من قبل إسرائيل أو على مستوى أدائه العسكري في دول محور طهران الذي بدأ يتفكك بعد حرب غزة ولبنان وانسحاب الميليشيات والضباط الإيرانيين والحرس الثوري الإيراني من سوريا، ومحاولة استكمال الخطاب الرئاسي الذي عبّر عنه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بالأخوّة بين إيران وأميركا من أجل عقد الصفقة التي باتت شروطها أصعب على إيران مع واشنطن للحفاظ على نظامها وعلى ما يمكن أن يتبقّى لها من نفوذ ولو بشكل محدود عن السابق في المنطقة. وكذلك حضر التراجع الروسي في الشرق الأوسط من خلال التوقف عن الأعمال الحربية في سوريا في مقابل تركيز موسكو وتطلّعها إلى وقف الحرب في أوكرانيا وإحلال السلام وفقاً للشروط التي تحاكي مطالبها وبالتفاهم مع الرئيس الأميركي ترامب الذي وصف إقدام زيلنسكي على قصف الأراضي الروسية بصواريخ أتاكمز الأميركية وموافقة بايدن على ذلك بالقرار الغبي. ولكن تبقى الأمور والتوقعات رهن الأحداث وتطوراتها، ولعلّ المسألة تعود إلى مربعها الأول في غزة وفلسطين، والأمل بالله أن يطفئ نار هذه الحرب الساحقة على الشعب الفلسطيني الذي يستحق العيش كما باقي الشعوب بسلام وكرامة وفي بيئة صحية صالحة للحياة والتقدّم بعد كل هذه التضحيات الجسام والمآسي، وإنّا للّه وإنّا إليه راجعون.