الرئيس الأميركي «المشكوك في قواه العقليّة» أشاد بالأمس «بدور الدوحة القطريّة» في مكافحة الإرهاب، هي من مفارقات الرّجل الذي يتّهمه الكثير من المحلّلين الأميركيين بفقدان «الأهليّة العقليّة»، يكفي أن يستعرض أي مواطن عربي الأدوار التي لعبتها قطر منذ تسعينات القرن الماضي ودور قناتها «الجزيرة» في بثّ سياسات زعزعة الأمن السياسي لمصر والسعوديّة، والعقديْن الأول والثاني من الألفيّة الثالثة في دعم أحزاب وميليشيات وتنظيمات إرهابيّة، أو أن يتابع الأخبار الواردة بالأمس عن اعتراض مقاتلات حربيّة قطريّة لطائرات مدنيّة إماراتيّة حتى تتأكد لديه الظنون في «القدرات العقليّة» للسيّد دونالد ترامب بمعزل عن قطر ودورها في رعاية الإرهاب أو محاربته!
تستقوي قطر منذ اندلاع أزمتها مع دول الخليج العربي بالقوّتيْن الأعجميّتيْن التركيّة والإيرانيّة، وبالطبع عرب الخليج تغاضوا كثيراً عن الدور التخريبي الذي تلعبه قطر منذ سبقتهم في الهرولة بعد مؤتمر مدريد العام 1993 للتطبيع مع العدوّ الإسرائيلي، وفي دعم الدور الإيراني في المنطقة، وفي تمويل واحتضان إرهاب الإخوان المسلمين الدولي، وإرهاب حزب الله، ودعم بشّار الأسد وعقد صفقات كبرى مع فرنسا لتعويمه عند ميشال ساركوزي، من يتذكّر تلك الصورة من مؤتمر دول المتوسط الذي أعاد بشار الأسد إلى الصورة الدوليّة بعد نبذه وعزلته بُعيْد اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ وعندما ألقي الملف السوري إلى اليد القطريّة «ذبحت» الثورة السورية بإعلان «جبهة النّصرة» وتمويل التنظيمات الإرهابيّة التي وأدت الثورة السوريّة وشرّعت أبواب انتقال حزب الله وإيران بالقض والقضيض إلى الداخل السوري لذبح الثورة وشعبها؟!
من يتذكّر اليوم ضجيج وسائل الإعلام قبل أشهرٍ بثلاث وعشرين حقيبة تحوي نصف مليار دولار في مطار بغداد أرسلتها قطر ـ التي تحارب الإرهاب ـ لدعم «الحشد الشيعي « في العراق؟ أو من يتذكّر اليوم مشهد رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية «السيّىء الذِّكْر» حمد بن خليفة وزيارته للقاهرة التي خلّفت إحساساً بالإهانة لدى كلّ مواطن مصري وهو يحاول أن يشتري «قناة السويس» مقابل ثلاثة مليار دولار خلال فترة حكم الرئيس الإخواني المعزول، وخرج الشيخ المرذول يوسف القرضاوي ليزايد على الوزير القطري فخاطب المصريين قائلاً لهم: «قولوا إسلاميّة وحيبقوا 10 مليار دولار»!! وبالطبع هذا الكلام ردّ عليه المصريون في 30 يونيو الماضي عندما أطاح الشعب بالإخوان ومخططاتهم ضدّ مصر، فسقط مخطط قطر للتحكّم بمصر وإذلالها وإذلال شعبها؟!
ومن يتذكّر اليوم مجلة «فورين بولسي» ومقالتها بعد التحذير الذي وجهته الولايات المتحدة الأميركية للحكومة القطرية من خلال جيرمي شابيرو ـ مستشار سابق لمساعد وزيرة الخارجية الأميركية ـ بعدما اعتبرت أميركا أن قطر تعمل ضد مصالحها في المنطقة بدعمها لحركة الإخوان المسلمين في مصر وليبيا وسوريا، تستخدم ثروتها المالية الهائلة لعرقلة بعض المشاريع السياسية الأميركية بدعمها للمتطرفين الإسلاميين خصوصاً في ليبيا وسوريا والعراق؟ ومن يتذكّر اليوم تحذّير مجلة «نيوزويك» في تقرير نشرته من خطورة وجود قاعدة العديد العسكرية الأميركية في قطر على أساس أنه يعطي إشارة تطمين للدوحة بالاستمرار في ممارستها في مساندة الإرهاب، وبعلاقات مميزة تربطها بقادة كبار في تنظيم طالبان الباكستاني الذي رعى تفرّع تنظيم القاعدة منه، سيما المفرج عنهم من سجن غوانتانامو في صفقة الإفراج عن الجندي الأميركي بو برغدال؟!
ربما على الرئيس الأميركي «المشكوك بقواه العقليّة» أن يطّلع على الكتاب الفرنسي الصادر عام 2013 «قطر… الصديق الذي يريد بنا شرّا» ننصحه بقراءته لمعرفة خفايا دور الدوحة ـ التي تحارب الإرهاب ـ في المنطقة منذ العام 2006، أو الكتاب الآخر الذي سبقه في الصدور بأسابيع قليلة وحمل عنوان «قطر… أسرار الخزنة»، وبالرغم من الكثير الذي كشفه الكتابان نقول إن ما خفي هو أعظم، وإنّ التاريخ كفيل بكشف الدور القطري في التحالف الإيراني ـ الإسرائيلي لزعزعة أمن واستقرار دول العالم العربي وبعثرة شعوبها.