في عزّ جنون وزهوة «الثورة» ـ كما يسمّيها اللبنانيّون ـ أخوف ما يُخاف على اللبنانيّين أن يكونوا مندفعين من كلّ قلبهم وإيمانهم بلبنان خلف «أوهام الثّورة» التي شاهدناها تدمّر بلاد العالم العربي تلو الآخر، خصوصاً وأنّ سياق الأحداث سيأخذ منذ اليوم طابع قطع الطّرقات بحيث تدخل «الثورة» في يومها الثاني عشر لحظة الانزلاق النّاعم صوب اضطراب حبل الأمن والاستقرار، وهذه المخاوف لها ما يُبرّرها، وسيكون اللبنانيّون شعباً أحمقَ إذ جرّبوا «الأميركاني» في العام 1958 و1975 و2005 وها هو يستدرجهم مجدّداً وهو لم يغسل يديْه بعد من دماء الأكراد فتركهم فريسة بين الجيش التركي وجيش بشار الأسد!!
هذا الهامش «براءة ذمّة» أمام الله ورسوله صلوات الله عليه أبرأ فيها ممّا يُحاك للبنان، حتّى لا نكون مرّة جديدة شعباً يلعق دماءه عن حدّ السكّين، وأقلّ واجب تسليط الضوء والتحذير من خطورة ما سيحدث، وعلى اللبنانيين مسلمين ومسيحيين أن يتوقّفوا مطوّلاً ويقرأوا بتأنٍ ما كشف وتناقلته وسائل إعلام ولكن لم يتمّ التسليط الضوء عليه في لبنان حتى لا تتفرمل إندفاعة اللبنانيّين باتجاه ما يراد لهم أن يصدّقوا أنّه «ثورة»!
فقد نقل عن مستشار الرئيس الاميركي دونالد ترامب والذي شغل منصب احد مستشاريه للشؤون الخارجية لا سيّما منطقة الشرق الاوسط الدكتور وليد فارس وقال له: «سيّدي الرئيس، لقد تظاهر 2 مليون مواطن لبناني في بيروت والعديد من المدن ضد الفساد العميق وتهديدات حزب الله الإرهابية، وهم ينظرون لك كقائد للعالم الحر وصوتهم من أجل العدالة. إنهم يريدون تحرير لبنان مرة أخرى»، هذا الكلام على المحطات الإعلاميّة المتورّطة في نقل حشود الساحات أن تضعه بأمانة بين أيدي اللبنانيين وأمام أعينهم، نعم اللبنانيّون يتظاهرون ضد الفساد العام ويريدون إسقاط الحكومة العاجزة ويريدون محاسبة كلّ الفاسدين، وهم يعرفونهم واحداً واحداً، ولكن اللبنانيين لا ينظرون أبداً إلى دونالد ترامب على أنّه قائد العالم الحرّ، عن أي عالم حرّ يتحدّث فارس، عن ترامب التاجر الصفيق الذي يتاجر بعرب الخليج والمفترض أنّهم حلفاؤه واكتفى بتمزيق الاتفاق النووي مع إيران، وهو لا يُحرّك قدم جندي أميركي قبل أن يقبض مليارات الدولارات؟! ثمّ، من قال لوليد فارس أنّ اللبنانيين يريدون «تحرير لبنان مرّة أخرى»؟ وممّن يحرّرونه؟ الاحتلال الإسرائيلي وانسحب، والاحتلال السوري وانسحب، أمّا « تهديدات حزب الله الإرهابية « فلم يرضَ الشعب اللبناني يوماً أن تكون إراقة الدّماء والتورّط في حرب أهليّة جديدة طريقاً لمواجهة حزب الله!
والسؤال الذي يطرح نفسه، من هم السياسيّون المتورّطون في اللعبة الأميركيّة من الدّاخل اللبناني، من الذي يريد أن يغامر بما تبقّى من مسيحيي لبنان ويرمي بهم في حربٍ مخيفة باستدراج وليد فارس بكلام قيل أنّه قاله لناشطين لبنانيين وأميركيين وآخرين في الشرق الأوسط «هذه الثورة اللبنانية سوف تنهي ما یسمی باتفاق الطائف»، سيكون مؤسفاً أن لا يعلو صوت يُنبّه المسيحيين اللبنانيّين بأنّه إذا كان الطائف أعطاهم «المناصفة»، فما بعد الطائف لن يعطيهم حتى المثالثة!! وسيكون مؤسفاً أن لا يعلو صوت يُنبّه اللبنانيين المسلمين سُنّة وشيعة من أنّ مذابح المنطقة والتطرّف والإرهاب بانتظارهم متى عبثوا باستقرار لبنان وتآمروا على أنفسهم وعلى الشعب اللبناني وانجرّوا خلف أوهام الدّعم الأميركاني وأنّها مع إنهاء اتفاق الطائف سـ»تنهي معه حزب الله الذي نصب سلطة قمعیة علی اللبنانیین» لا يضحكنّ أحد علينا ـ إسرائيل ومن معها ومن خلفها تخاف من مواجهة حزب الله ـ بأنه سينهي حزب الله بنا!
يعرف وليد فارس أن رئيسه دونالد ترامب لا تحرّكه إلا لغة المال والذهب، لم يكن غريباً أن يغرّد محذّراً «ناشطين وكوادر في حزب الله موجودون أمام المصرف المركزي اللبناني، أي عملیاً حزب الله علی مسافة 200 متر من الذهب اللبناني لمن یرید أن یفهم».
«الله لا يسامح» كلّ سياسي لبنان يقامر بدماء الشعب اللبناني وباستقرار هذا البلد الصغير، آخر التجارب المرّة التي ذاقها اللبنانيّون من اختبار الأميركيين وجديتهم ـ زمن جورج بوش الإبن وغوندليزا رايس وبوش أرسل جيشه إلى المنطقة ـ كانت يوم أداروا ظهرهم لقيادات 14 آذار في 7 أيار العام 2008، لمن يريد أن يتذكّر عسى أن تنفعه وتنفع الشعب اللبناني الذّكرى، مع أنّنا نشكّ في ذلك، حمى الله لبنان وشعبه وكفاه شرّ الفتن والحروب وكلّ الشريرين من نعلم منهم ومن لا نعلم!
ميرڤت سيوفي