في أرجاء العالم وجد كثيرون أنفسهم بالأمس سواء في آخر الليل أم بداية الصباح وكأنّهم تلقّوا ضربة موجعة على رؤوسهم، المزاج الشعبي الأميركي يتغيّر، وكلّ التحليلات واستطلاعات الرأي، والتقييمات شبه النهائية للون هذه الولاية المحسوم للحزب الديموقراطي الأميركي، والمخاوف من الولايات المتأرجحة كاذبة، الولايات التي قيل لنا انها ديموقراطية انتخبت ترامب، وسيكون من السذاجة أن نصدّق أنّ الأميركيين بمعزل عن العالم وأحداثه، رياح التطرّف والتشدّد وصلت إلى هناك ولا ينفع في مواجهتها إلا رئيس أبدى تطرّفاً كبيراً طوال حملته الإنتخابيّة، إلى حدّ لا يستطيع معه أحد أن يتوّقع الشّكل الذي ستكون عليه السياسة الأميركيّة مع دخول ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني المقبل.
قد يكون أفضل اختصار للمشهد الأميركي بعد ليل طويل هو ما قالته مذيعة قناة MSNBC الأميركية راشيل مادو ووقع الصدمة على وجهها عندما أعلنت عن فوز «دونالد ترمب»، برئاسة الولايات المتحدة الأميركية: «أنتم مستيقظون بالمناسبة، أنتم لا تحلمون بحلم شنيع الآن، وأيضاً لستم أمواتاً، وهذه بلدنا ولم تذهبوا الى الجحيم، هذه هي انتخاباتنا، وهؤلاء نحن، وهذا بلدنا، وهذا حقيقي»، وقد يكون أفضل تعليق ديبلوماسي قيل قبيل إعلان فوز ترامب تغريدة لسفير فرنسا في الولايات المتحدة الأميركية قال فيها: «العالم ينهار أمام أعيننا»، وللمناسبة الانهيار الجدّي سيبدأ قريباً، وفي هذه البقعة المباركة من الأرض ما علينا إلا الانتظار…
تفرّغ اللبنانيّون بالأمس ـ وأنا منهم ـ للتعاطي بـ»هضامة» مع فوز دونالد ترامب وخسارة هيلاري كلينتون، ومن دون شكّ حظيت ليلى عبد اللطيف بجزء كبير من هذه الهضامة التي لم ترحمها، لم نعد نملك في لبنان إلا ترف «التنكيت» وأحياناً «الشتم»، وبين الاثنين «ترف شوفة الحال» بمستشار دونالد ترامب اللبناني الأصل وليد فارس، وكأنّه هو الرئيس الفائز، نضحك ونتأمّل كيف جاء الأميركيّون بـ»الدبّ لَكَرْمن»، فيما أوطاننا لم يعد فيها كروم ولكنّها ملأى بالدّبَب!!
ماذا ينتظر العالم؟ وماذا ينتظرنا؟ إيران كانت أوّل المستنفرين المتوتّرين بالأمس، وكلّ الخوف أن تترجم توتّرها في المنطقة انطلاقاً من لبنان، الذي استخدمته جبهة متقدمة منذ حرب تموز ورقة أولى على طاولة المفاوضات النوويّة، وكلّ الخوف أنّ تكون اكتملت «سيبة المجانين» بين أميركا وإيران، فمع رئيس «رجل أعمال» لا علاقة له بالسياسة ما الذي علينا أن نتوقّعه في أقدار المنطقة ولبنان!!
«أميركا أوّلاً» وصلت إلى دونالد ترامب، ولو كلّف أحد خاطره وسأل اللبنانيين تحديداً عن هذا الشعار لقالوا فيه وعنه، وعن «تجارة الشعارات» الكثير، الفرق الوحيد بين ترامب و»أميركا أوّلاً» وبين من عندنا و»لبنان أوّلاً»، أنّ الأوّل متهور ومن عندنا «تجّار جبناء»!!
العالم على «كفّ ترامب»، أخيراً ظهر «العفريت» وعرفنا من هو، لطالما ردّدنا المثل الشعبي «العالم على كفّ عفريت»، من الآن وحتى دخول ترامب إلى البيت الأبيض لدينا بضعة أسابيع نحاول فيها أن نستقرىء ما الذي ستؤول إليه الأمور في المنطقة، المزاج الشعبي الأميركي تغيّر وتغيّره حمل ترامب إلى الرئاسة، وإلى أن يتغيّر المزاج الشعبي الأميركي مرّة ثانيّة في صندوقة الانتخابات، أيّ «غامض» ينتظر العالم الذي عجز كلّ إعلامه بما فيه الأميركي عن استقراء تغيّر مزاج الناخب الأميركي، وسيدفع الجميع ثمن هذا التغيّر ومن دون استثناء!