بعدما تحسّر الرئيس الأميركي على تبديد واشنطن 7 تريليونات دولار فى حروب الشرق الأوسط، نفّذ كلامه المتصاعد منذ آذار الماضي عن قرار الخروج «من سوريا قريبا جدا وسنعود إلى بلدنا الذي ننتمي إليه، فلندع الآخرين يتولّون الاهتمام بها الآن» وأعلن بالأمس قرار انسحاب الجيش الأميركي من سوريا تحديداً منطقة شرق الفرات، وسيناريو ما بعد الانسحاب مصدر قلق للمنطقة.
كثير من المحللين كانوا أمام سيناريوهيْن: الأول، اعتبروا فيه كلام ترامب مجرّد مناورة، أمّا الثاني وهو مقلق أكثر واعتبروا أنّه أشدّ خطورة وأنّه مرتبط بالمهلة التي أعطاها ترامب للأوروبيين ـ مجموعة الـ 5 +1 ـ لتعديل الاتفاق النووي مع إيران، عمليّاً لا توجد أي مفاوضات لتعديل الاتفاق، وإيران نفسها ترفض الأمر، والأرجح أنّنا وجديّاً أمام إلغاء دونالد ترامب اعتراف باراك أوباما بالاتفاق النووي الإيراني، فهل المنطقة ذاهبة باتجاه مواجهة كبرى سواء أكانت سياسيّة أم عسكريّة؟
حتى الأمس لا أحد كان بمقدوره فهم الرغبة الترامبيّة في الانسحاب من شرق الفرات، بما فيها الصحف الأميركية التي حذّرت ترامب من خطوته هذه، قبل يومين لم تكن الواشنطن بوست تظنّ أن ترامب سيسحب القوات الأميركية من شرق الفرات وتساءل أحد كتّابها بأنّ «ترامب ربما يتراجع عن خطوته هذه إذا ما علم أن القوات الأميركيّة في سوريا تسيطر على حقول النفط هناك، وأنه إذا غادرت أميركا فإن تلك الحقول يمكن أن تقع بيد إيران»، هل فعلاً ستقع حقول النفط هذه بيد إيران، بالأساس هل تملك إيران القدرة على الذهاب حتى شرق الفرات؟ النفط السوري لم يغرِ ترامب بالبقاء هناك مع أنّ ترامب نفسه اعتبر أنّ أميركا كان عليها أن تهتم بالنّفط العراقي!
في مقالة منشورة في صحيفة الـ»واشنطن بوست» بتاريخ 16 آذار الماضي قيل أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، طلب من العاهل السعودي الملك سلمان، دفع مبلغ مالي بقيمة 4 مليارات دولار، لتغطية نفقات خروج قوات الولايات المتحدة من سوريا، وهل صحيح ما تخوّف منه الكاتب الأميركي «جوش روجين» في الواشنطن بوست قبل يومين بأنّه «من المرجح أن يعقد الأكراد صفقة مع حكومة الأسد، وتترك الجماعات التي دعمتها أميركا، مكشوفة، وهو ما سيسمح للإيرانيين بالسيطرة على تلك المنطقة واستكمال جسرهم البري من طهران إلى بيروت»!
الانسحاب الأميركي من العراق سلّمه كلّه لليد الإيرانيّة، فهل يتكرّر الأمر في شرق الفرات؟ حقيقة قرار دونالد ترامب غير مفهوم، وهو قد أربك الجميع، وهو أمرٌ قد ينعكس على المنطقة برمتها، فالنوايا الإيرانية الخبيثة موجودة والذراع الإيراني العسكري في المنطقة طويلٌ وطائل، والمقلق أن صوت التهديد أو التمهيد لحرب إسرائيليّة على لبنان مرتفعٌ جدّاً هذه الأيام، ثمّة ثمن سيدفع في المنطقة، ولكن من الذي سيدفعه هذا ما ليس واضحاً حتى الآن!
«جوش روجين» اعتبر قبل يومين في الواشنطن بوست أنّ «أبرز أسباب الوجود الأميركي في سوريا، هو احتواء النفوذ الإيراني، ومنع أزمة لاجئين جديدة، ومحاربة التطرف، ومنع روسيا من مواصلة بسط نفوذها في المنطقة»، فهل سقطت كلّ هذه الأسباب، على الأرجح هناك ما هو أهمّ من شرق الفرات حتى أدار ترامب ضهره للمنطقة بحجّة أنّ القضاء على «داعش» تمّ بنسبة مئة بالمئة.
وحدها المهلة الترامبيّة لمصير الاتفاق النووي الإيراني ستحدّد مسار المنطقة، وهذا لا ينفي أن كثيرين يشعرون أنّ الحرب آتية وأن الأصمّ فقط هو من لا يسمع طبولها تقرع عالياً جدّاً.