IMLebanon

«مؤتمر المانحين»: أزمة النزوح طويلة

سلام يدعو لحلول مستدامة.. ويحذر من مأساة أمنيّة وديموغرافية

«مؤتمر المانحين»: أزمة النزوح طويلة

انعقد المؤتمر الدولي الثالث للمانحين «لدعم الوضع الإنساني في سوريا»، في الكويت، أمس، وسط أجواء استباقية كويتية ودولية ومؤتمرات فرعية لمنظمات المجتمع المدني غير الحكومية والمنظمات الدولية، دفعت باتجاه زيادة مبالغ الدعم لمعالجة أزمة النازحين السوريين إلى دول الجوار ورفع المستوى الخدماتي والمعيشي للمجتمعات المضيفة. وقد بلغت قيمة التقديمات الأولية «الموعودة» 3.8 مليارات دولار مع وعود بمبالغ إضافية وذلك من أصل 8.4 مليارات دولار تطالب بها الأمم المتحدة.

ومن جديد أساليب الدعم، الاعلان عن مشاريع تنموية سيقوم برنامج الامم المتحدة الانمائي بتنفيذها، بالتعاون مع الدول والجهات المعنية لمدة سنتين قابلة للتمديد، ما أوحى بأن المجتمع الدولي يتعامل مع أزمة النازحين على أنها أزمة طويلة. وهو الامر الذي لا يريح لبنان، وإن كانت الحكومة قد أعدت برنامجاً متكاملاً لإنماء المناطق والبنى التحتية والخدماتية فيها.

وذكرت مصادر الوفد اللبناني لـ «السفير» أن «خطة الاستجابة» التي أعدتها الامم المتحدة، سيكون للبنان نسبة 37 بالمئة منها. لكن لأن هذا المبلغ لا يفي حاجات لبنان، قدم الوفد الرسمي برنامجه الاغاثي والانمائي بمشاريع تبلغ قيمتها مليارا و48 مليون دولار.

وأشارت المصادر إلى أنه بعد إجراءات الحكومة لتخفيف حجم النزوح وتراجع عدد النازحين الوافدين، ستقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بإحصاء شامل لكل النازحين لتحديد عددهم بدقة قدر الامكان وتقديمه للامم المتحدة بعد تضارب الارقام الرسمية حول عدد النازحين المسجلين لدى المنظمة الدولية.

وشارك في المؤتمر ثمانون دولة، إضافة إلى الكويت، و55 منظمة دولية وحكومية وأهلية، فيما تمثل لبنان بوفد ترأسه رئيس الحكومة تمام سلام وضم وزراء الشؤون الاجتماعية رشيد درباس والداخلية نهاد المشنوق والعمل سجعان قزي والزراعة أكرم شهيب، والسفير اللبناني في الكويت خضر حلوة، ورئيس مجلس الانماء والاعمار نبيل الجسر ومستشار رئيس الحكومة الدكتور شادي كرم. كما حضر الامين العام للامم المتحدة بان كي مون وعدد من مسؤولي المنظمات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين والتنمية. ولوحظ حضور رئيس «مؤسسة عامل» الدكتور كامل مهنا ممثلا عن هيئات المجتمع المدني اللبناني وفريق العمل الانساني الاقليمي التابع للامم المتحدة (hct).

وقد افتتح أمير الكويت المؤتمر، معلناً تبرع بلاده بمبلغ 500 مليون دولار. وقال: لقد عجز المجتمع الدولي، ولا سيما مجلس الأمن، طيلة السنوات الخمس عن إيجاد حل ينهي هذا الصراع ويحقن دماء الأشقاء ويحفظ لهم كيان بلد جرحته مخالب الفرقة ومزقته أنياب الإرهاب. وأمام هذا الواقع المرير والتهديد السافر للأمن والسلم الدوليين فإن مجلس الأمن، ولا سيما أعضاءه الدائمين، مطالبون بأن يتركوا جانبا مصالحهم الضيقة وخلافاتهم الواسعة ويوحدوا صفوفهم للخروج بحل ينهي هذا الصراع المدمر ويعيد الأمن والاستقرار لربوع سوريا الشقيقة، ويوقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتكبها كل الأطراف».

وتكلم بعده بان كي مون، فدعا الدول المانحة الى التبرع بسخاء لدعم الوضع الانساني في سوريا. وأعرب عن شعوره «بالعار والغضب وإحباطه الكبير إزاء فشل المجتمع الدولي في إنهاء الحرب في سوريا والتي تسببت في معاناة الشعب السوري». وطالب بمعاقبة المسؤولين عن «الجرائم الكبيرة» التي ارتكبت وأدت الى تشرد الشعب السوري في الداخل والخارج.

وتحدثت وكيلة الامين العام للشؤون الانسانية والطوارئ ومنسقة الاغاثة الدولية فاليري اموس، وقالت: «نحن نتطلع في مؤتمر المانحين الى جمع التعهدات وتعبئة الموارد المالية خلال العام 2015 لإعادة سبل المعيشة في سوريا».

وأكد المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس، في كلمته، أن عدد اللاجئين السوريين تضاعف ليصل إلى أربعة ملايين لاجئ وهو الاكبر في العالم. وطالب في الوقت نفسه الدول بإبقاء حدودها مفتوحة أمام اللاجئين السوريين على الرغم من معاناتها والضغط على مواردها.

وتكلمت ايضا مديرة برنامج الامم المتحدة الانمائي هيلين كلارك، فدعت إلى ضرورة حشد المجتمع الدولي لحل الازمة السورية التي تجمع التحديات الانسانية والتنموية وخلق آليات استجابة مستدامة بغية تخفيف معاناة الشعب السوري.

وتحدث أيضاً من دول الجوار لسوريا، نائب الرئيس العراقي اياد علاوي، الذي دعا إلى عقد مؤتمر دولي يتبنى معالجة ظاهرة النزوح والحد منها وحل أسبابها وجذورها لمنع استمرارها.

ودعا رئيس الوزراء الأردني عبدالله النسور المجتمع الدولي الى مساعدة بلاده في تمويل خطة تكلف ثلاثة مليارات دولار لاستيعاب اللاجئين السوريين على الأراضي الأردنية.

في السياق ذاته، أكد وزير الخارجية المصرية سامح شكري في كلمته ان مصر اتخذت قرارا عام 2012 يسمح بتقديم الخدمات العامة بالكامل ومجانا للنازحين الذين يزيد عددهم عن 300 ألف في مختلف المحافظات المصرية.

بدوره، شدد وزير التنمية التركي سيفيديت يلماز على ضرورة إيجاد حل سياسي حقيقي للازمة السورية وهو البديل الوحيد لإنهاء معاناة الشعب السوري الانسانية.

كلمة سلام

وألقى الرئيس تمام سلام كلمة أوضح فيها أن «لبنان يستضيف حوالي مليون ونصف مليون نازح، أي ما يوازي ثُلُثَ عدد اللبنانيين المقيمين». وقال «إن المنظمات الدوليّة المرموقة وَثّقَتْ بدقّة احتياجات لبنان المُتَأتِّيَة عن هذا الواقع وانعكاساته المُريعة على الأوضاع الإنسانية». وذكّر بأن «النتيجةَ الأخطرَ للنزوح هي الوضع الأمني الذي شكّل ويُشكِّل تهديداً مباشراً للاستقرار».

وأعلن أن «الثمنَ الذي يدفعُهُ بلدُنا، يتخطى قدرتَه على التحمُّل، ويحتاج، من كلّ أصحاب النيّات الطيّبة وكلِّ الحريصينَ على حفظ استقراره، إلى مُقاربات جديدة تنطلق من قراءة واقعيّة بأنّ الأزمة السوريّة المُسَبِّبَة للنزوح، غير مُرشّحة للأسف للانتهاء في القريب المنظور». وحذر من ان «التحوّلات التي طرأت على طبيعة هذه الأزمة والمخاطرَ الأمنيّة الهائلة التي ما فتئت تولِّدُها، ظَلمت بلدَنا الصغير ووضعته في موقع المُطالَب بحفظ السلم والاستقرار في منطقتنا برُمّتها».

ودعا سلام «الأسرة الدولية بأكملها للاسهام في مهمّة صَوْن السلم الاقليمي، عبر منع مشكلة النازحين من التحوّل الى مأساة أمنيّة وديموغرافية». واقترح «وضع خريطة للمستقبل تتضمن إطلاقَ برامج تتميَّز بمتانتها واستدامتها، بحيث تؤدي إلى التصدّي للأوضاع المتدهورة ذات البعد الفوري والمباشر، وإلى تلبية المتطلِّبات الملحّة الاقتصادية والاجتماعية الأبعدَ مدى والأعمقَ تأثيراً».

واستطرد: «إنّ المساعدات المالية يجب أن تُقَدّمَ إلى النازحين وأن تستهدف القضايا الإنسانية في المجتمعات المضيفة على حدٍّ سواء، لكنّ الأهمّ هو أنّها يجب أن تهدِف إلى إحداث نموّ ملحوظ ومستدام للاقتصاد اللبناني المُنهَك. وبهذه الطريقة فقط، يُمْكنُنا أن نُخفِفَ من محنةِ الشعب اللبناني ومن التداعيات الهائلة لوجود النازحين السوريين المؤقت في لبنان».

وقال: «وتحقيقاً لهذه المقاربةِ الجديدةِ، تضَعُ الحكومةُ اللبنانيّةُ بين أيديكم خطّة مُفصّلة تفوق قيمتُها مليار دولار، تتضمَّنُ قائمةَ برامج مُوَزَّعَة قِطاعيّاً، ومُتَرْجَمَةً في شكلِ مشاريعَ تنمويّة ضروريّة تشمَلُ المياه والصرفَ الصحيّ والنفايات الصلبة والزراعة والطاقة والنقل والصِّحة والتربية وغيرها».

لقاءات

وبعد إلقاء الكلمة التقى الرئيس سلام امير الكويت بحضور الوفد الوزاري المرافق، وجرى بحث في تفاصيل اوضاع لبنان ومشكلة النازحين وسبل تنفيذ التعهدات الدولية للبنان، اضافة الى الاوضاع العربية عامة. وقالت مصادر الوفد ان الصباح تحدث بإسهاب عن أهمية لبنان بالنسبة للكويت واهتمامها به، مستعرضا تاريخ عمله لحل الازمة اللبنانية منذ السبعينيات.

كما التقى سلام نائب الرئيس العراقي اياد علاوي، الذي أبدى تفاؤلا بمستقبل الوضع العربي برغم كل المشكلات القائمة. ثم التقى المندوبة الاميركية لدى الامم المتحدة سمانتا باور، وعرض لها بالتفصيل اوضاع لبنان السياسية وانعكاسات أزمة النازحين على كل المستويات.

والتقى سلام الامين العام للامم المتحدة بان كي مون وبحث معه في تفاصيل الجهد العربي والدولي لمعالجة ازمة النازحين. واختتم لقاءاته باجتماع مع وزير خارجية النروج بورغ براند. ثم حضر الجلسة الختامية للمؤتمر واعلان البيان الختامي وعاد منتصف الليل الى بيروت.