اذا كانت نكبة فلسطين قد حصلت بفعل التقاعس العربي، فان النكبة السورية تحصل على ايدي بعض العرب او غالبيتهم في مقدمة تمهيدية لتقسيم المنطقة بدءاً من سوريا ولن تسلم الدول العربية المتواطئة على دمشق من تجرع الكأس التقسيمية على قاعدة «طابخ السم آكله»، واذا كانت السلطنة العثمانية قد أدت دوراً بارزاً في انتاج اسرائيل ايام آخر سلاطينها عبد الحميد الثاني، فان تركيا الطيب رجب اردوغان تؤدي الدور نفسه على الساحة السورية من خلال تبنيها للتكفيريين من «داعش» و«النصرة» ومشتقاتهما حيث لم يبق امام السوريين الا الخيار بين الموت والموت، اما في الحروب المشتعلة على الرقعة السورية، واما غرقاً في بحر ايجه حيث يتدفق سيل النازحين الطامحين في الوصول الى اوروبا عبر تركيا التي استثمرت في النزوح السوري حتى الثمالة في ردة فعل على رفض الاتحاد الاوروبي طلبها في الانضمام اليه وفق الاوساط المواكبة للمجريات، فالدولة التركية تزعم انها تحملت عبء 10 مليارات دولار لا يواء النازحين السوريين ولم تحصل الا على 400 مليون دولار من الامم المتحدة واضعة اوروبا امام خيارين اما دفع ما تطلبه انقره من اموال واما اغراقها بموجات من النزوح السوري بدأت ولن تنتهي وفق الوقائع الميدانية.
وتضيف الاوساط ان مؤتمر لندن الذي اقر مبلغ 11 مليار دولار لتوزيعها على الدول التي تستضيف النزوح السوري كلبنان وتركيا والاردن، تشير المعطيات التي سبقت انعقاد هذا المؤتمر الى ان ثمة مخططاً يسعى الاوروبيون والغرب الى تنفيذه ويقضي بتوطين النازحين السوريين في البلدان التي لجأوا اليها منعا لوصولهم الى الدول الاوروبية، وما الجولات المكوكية لرئيس الوزراء البريطاني على مخيمات النزوح السوري في لبنان وبقية الدول اضافة الى مبعوثي الامم المتحدة إلا دليل على ذلك، ولعل اللافت وفق المعلومات انه منذ اسابيع تقريبا وصل وفد بريطاني الى بيروت تمهيدا لعقد مؤتمر المانحين في لندن وطلب من الحكومة اللبنانية تسهيل التشريعات التي تطبع اوضاع اللاجئين في العمل والاقمة والاستفادة من الخدمات العامة، فوجد ليونة لدى بعض السياسيين باستثناء قلة بينهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي رفض اقرار تشريعات تسمح للنازحين بالانخراط في سوق العمل اللبنانية.
وتشير الاوساط نفسها الى ان مؤتمر لندن ليس سوى مقدمة لتوطين النازحين السوريين في لبنان وتغيير الديموغرافيا اللبنانية فما يحصل في سوريا بات عصيا على الفهم فلا هو حرب كونية ولا هو اقتتال محلي إذ يتم تفريغها من سكانها في مؤامرة لا يعلم احد حدودها باستثناء العدو الاسرائىلي الذي يقف وراء النكبات لا بل يصنعها وهنا بيت القصيد كون النزوح السوري على الساحة المحلية بات يشكل اكبر الاخطار على لبنان كيانا وكينونة خصوصا ان معظم النازحين من المعادين للنظام، وان مخيمات النزوح مرشحة بطريقة او بأخرى للتحول الى معسكرات كما حصل في عرسال وجرودها حيث اقتطع فصيلا «داعش» و«النصرة» اراضي لبنانية يسيطران عليها ما يعيد الى الذاكرة ايام «فتح لاند» في العرقوب، والمؤشرات على الآتي الاعظم بدأت تظهر في الافق كون «دولة الخلافة» تحلم بمنفذ على البحر انطلاقا من عرسال المختطفة لوصلها بمنطقة الضنية فطرابلس حيث المياه الدافئة، واذا كان بعض المراقبين يرى ان في الامر مزايدة، فلا بد من التذكير بأن عدد السوريين في لبنان يتخطى المليونين ما بين نازح وعامل ومقيم يضاف اليهم 500 لاجئ فلسطيني غب الطلب كما اثبتت الوقائع سواء في الحرب الاهلية اللبنانية ام في مخيم اليرموك السوري ومخيم الرمل الجنوبي ومخيم السبنية، ولا يخفى على احد ان بعض البلدات التي فتحت ابوابها للسوريين النازحين باتت تحت سيطرتهم كما حصل في عرسال اضافة الى ان مخيمات النزوح السوري في الشمال وخصوصا في عكار تشهد تحركات مريبة تحاول القوى الامنية وفي طليعتها الجيش اللبناني في حربها الاستباقية على الارهاب معالجتها لا سيما ان معهد الدراسات في واشنطن اعلن في الامس الاول عن قلقه من «انطلاق عمليات عسكرية في الداخل السوري انطلاقا من شمال لبنان».