قبل فترة وجيزة، إستضاف أحد كبار رجال الاعمال اللبنانيين في قصره الصيفي، مجموعة من الشخصيات جمعتهم مناسبة اجتماعية؛ بينهم وزيران لبنانيّان، و3 نواب، وبعض رجال أعمال، وبعض الاقتصاديين والمصرفيين الكبار، ومعهم سفير دولة كبرى.
أقام رجل الأعمال لضيوفه مأدبة عشاء غنيّة بكلّ ما لذّ وطاب، أخذ كل ضيف مقعده المخصّص له على طاولة المأدبة، وكانت خدمة الضيوف «سبعة نجوم» فما فوق. وبعدما فرغ الجميع من العشاء، جاء دور التحلية وتوابعها، فانتقل الجميع الى الخيمة الصيفية المُنشأة وسط حديقة القصر. وهناك أحضر صاحب الدعوة علبة من السيجار الفاخر، ودار بها على ضيوفه، وأخذ يضيّفهم، واحداً تلو الآخر، ومن يمتنع من بينهم كان يلحّ عليه بتجربة السيجار. ومنهم لم يفشل صاحب الدعوة، فأخذ «سيجاراً» ولم يُشعله.
في لحظة «التضييف» هذه، صَدف أن تناول السفير الضيف سيجاراً. تأمّله قليلاً، ثم أخذ «الولّاعة» ليشعله، ولكن قبل ان «يفقسها»، توجّه الى الحضور قائلاً: أتمنى عليكم عدم التقاط أي صورة لي!
لاحَظ السفير انّ بعض الحضور قد فوجىء بكلامه هذا، فقال وهو ينظر الى «سيجاره» مبتسماً: أنا في الأساس لا أدخن، لكنني أرغب في أن أجرّب هذا السيجار مرّة. لذلك، أرجو أن تقبلوا اعتذاري على طلبي هذا بعدم التصوير، وأرجو ان تتفهّموا الأمر، فأنا لا أريد ان أتلقى أيّ ملاحظة من إدارتي، وربما أكثر من ذلك. وأيضاً، فقد لاحظتُ خلال تناولنا العشاء، أنّ بعض الصوَر قد التُقطت خلال وجودنا على مأدبة العشاء، فأتمنى أيضاً عدم نَشرها.
نزل الجميع عند رغبة السفير، وتركوه يجرّب «طعم السيجار»، لكنه لم يحتمله فتركه. كان واضحاً انّ السفير المذكور، لم يكن يرغب في أن يكون لهذه التجربة – التي خاضها بالصدفة – ثمنها الغالي عليه، فربما خاف إذا نشرت صورته مع السيجار، أن تسأله إدارته: من أين لك هذا؟
نقلت هذه الواقعة الى أحد كبار المسؤولين، فعَلّق على الفور قائلاً:
«وليش شَارَك بالعشاء أصلاً؟ وشو بَدّو من السيجار طالما ما بيدخن؟. يبدو إنّو هالسفير «تَلبنَن»، الحَق عليه هوّي غَلّط، وأكتر من هَيك هوّي وَقّع نَفسو بالفَخ، فمين بيضمَن إنّو ما ينشرو صورتو هلّق أو بعدين؟! هوّي بلبنان، المسكين أكلها».
ثم أضاف: دعونا من المزاح، تصوّروا يا إخوان، خاف هذا السفير من ان تحاسبه إدارته على مشاركته في مأدبة عشاء، وكذلك على مجرّد حَمله السيجار، بينما عندنا في لبنان ترتكب الموبقات بأبشَع صورها ولا أحد يسال أحداً «ليش عم تعمل هيك»، ومن اين لك هذا؟
في الجانب الآخر لهذا العشاء، كان حديث حول لبنان والمنطقة، وأسئلة كثيرة طُرحت على السفير الغربي، أمّا إجاباته فكانت كما لاحظ المشاركون، في منتهى الصراحة. فعَن لبنان، قال:
– مشكلات لبنان أكبر منه، فعلى الرغم من صغر حجمه تراه مستغرقاً في مشاكل سياسية اكثر من اي دولة اخرى في العالم، وحتى أكثر من بعض الدول الكبرى. نحن نلاحظ الانقسام السياسي الموجود، ما يجعل استقراره مهدداً بشكل دائم. نحن نعرف تماماً حقيقة العلاقات القائمة بين القوى السياسية، والنفور الذي يربط بين زعماء هذا البلد. أقول لكم بصراحة إننا كثيراً ما نسمع من بعضهم شكاوى على بعضهم الآخر.
– الوضع الاقتصادي في لبنان حرج جداً، نسمع كلاماً كثيراً من المسؤولين اللبنانيين عن مبادرات وإجراءات للمعالجة، لكن في الوقت نفسه لا نرى مقاربات جدية لهذه المعالجة. اللبنانيون بكل صراحة يعيشون الحلم، حلم ان يتحقق «سيدر»، وحلم ان يخرج النفط من البحر، فماذا لو لم يتحقق حلم «سيدر»؟ وأنا شخصياً أشكّ في تحقيقه في المدى المنظور. وماذا لو لم يتحقق حلم النفط البحري؟ وواضح انّ الطريق المؤدية إليه ما زالت طويلة. وما نسجّله على بعض اللبنانيين، ومنهم من هو في موقع المسؤولية، انهم لا يزالون يعيشون حلم أنّ العالم لن يترك لبنان ينهار، بل سيهرع الى نجدته ومساعدته في تَخطّي أزمته الاقتصادية. هنا أسأل: ما هو دليلهم على ذلك؟ ما أؤكده انّ هذا الحلم هو مجرّد وَهم، العالم تغيّر، اقتصاديات العالم كله مُربكة، وكل دول العالم مأزومة، وغارقة في مشكلاتها ومتطلباتها، وأولويتها صارت محصورة في داخلها. قد تقدّم لكم مساعدات، لكنها لن تشكّل عنصر الانقاذ لاقتصادكم، وهذا معناه أنكم أمام وضع صعب، ولا استطيع ان اقول إنّ في إمكانكم ان تخرجوا منه بسهولة. خلاصة ما اقوله انّ العلاج لأزمتكم الاقتصادية مطلوب منكم كلبنانيين قبل ان تطالبوا الخارج بدعمكم.
هنا جاء بعض الحاضرين على ذِكر موازنة 2020، فعلّق السفير: قد تكون هذه الموازنة مهمة، لكنّ وضع لبنان يحتاج الى ما هو أكبر منها. نحن نسمع كثيراً عن إجراءات إصلاحية يمكن ان تساهم في هذا العلاج، ونستغرب لماذا تتأخرون في الإقدام عليها؟
فعَقّب أحد الحاضرين، مُنتقداً ما سَمّاه «تراخي السلطة السياسية اللبنانية أمام خطورة الازمة، وأمام التلاعب بالعملة الصعبة الى حد أنّ «الدولار» يُشارِف أن «ينقطع ويصبح مفقوداً في البلد». فقال السفير: هذه مسألة شديدة السلبية ولا تُبشّر بالخير.
– عن «حزب الله»، قال السفير، وفقاً لمعلوماته، إنه لن يخرج من دائرة العقوبات الاميركية عليه. وأضاف: تعلمون انّ «حزب الله» يشكّل مشكلة للغرب وكذلك للاميركيين. الاميركيون يرون انّ العقوبات ستُخضِع «الحزب» وتمنع تمويله، لدينا معلومات اكيدة انّه يعاني ضائقة مالية، وهو يقول انه كَيّفَ نفسه مع هذه العقوبات، وثمّة من يقول انه كَيّفَ نفسه مع عقوبات أقسى عليه واكثر خطورة. ما أريد ان اقوله هنا هو انّ للاميركيين سياستهم ويطبّقونها على النحو الذي يرون فيه مصلحة لهم، وفي المقابل اعتقد انّ لدى الكثير من دول الغرب، وتحديداً في اوروبا، سياسة اخرى تقول إنّ الامور يمكن ان تُعالج بطرق أخرى، وبضرورة إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع كل المكونات اللبنانية بما فيها «حزب الله»، وهذا ما يعتمده الفرنسيون تحديداً.
سُئل السفير عمّا اذا كانت دائرة العقوبات على «حزب الله» ستتوسّع لتتطال حلفاءه، فقال: لستُ اميركياً لأجيب عن ذلك، ولكن ما من شك في انّ هذا الأمر إذا حصل، نعتقد انه ستكون له مفاعيله السلبية.
قيل له: مفاعيله السلبية على الحزب وحلفائه أم على لبنان؟
إكتفى بالقول: كما سبق وقلت، اعتقد انه ستكون له مفاعيله السلبية.
– النازحون السوريون يشكلون أزمة عالمية، وأوروبا تعاني من هذا العبء، وهي تدرك انّ العبء الاكبر للنازحين يقع على دول الجوار السوري، وعلى وَجه الخصوص لبنان، الذي نفهم حجم الضغط الذي يتعرّض له من ثِقل النازحين، إلّا انّ موضوع النازحين هو حالياً خارج دائرة الحلول، ولا يبدو انه سيدخل الى هذه الدائرة في المدى المنظور او المتوسّط، فلا قرار دولياً بوَضع هذا الملف على طاولة الحل، والاميركيون على وجه التحديد يُمسكون بكل خيوط ملف النازحين، ما يعني انّ أميركا ما زالت مُمسكة بهذه الورقة، لاستخدامها بحسب توقيتها. وبالتالي، لا عودة قريبة لهم الى سوريا، حتى الى المناطق التي تقولون عنها في لبنان انها أصبحت آمنة. فواشنطن، ومعها بعض الغرب، لا تثق بنظام بشار الاسد.
– عن التطورات الأخيرة في الخليج بعد استهداف منشآت «ارامكو» النفطية في السعودية، قال السفير: نحن نراقب ما يجري، ما من شك في انّ ما حصل هو تطوّر بالغ الخطورة، وأحدثَ صدمة جدية لدى السعودية، وأصابها في عَصب اقتصادها. حتى الآن لم نصل في تقييمنا لهذا الحدث الى حدّ ترجيح خيار الحرب وتدهور الوضع اكثر. هنا سأعبّر عن رأيي الشخصي، وهذا ليس رأي إدارتي، فالحرب على اليمن مَضَت عليها اكثر من 5 سنوات، من دون ان تحقق الهدف الذي حدّد لحظة اندلاعها. ومن خلال قراءتي لهذه الحرب ونتائجها، اعتقد انّ السعوديين لو عرفوا مُسبقاً ماذا ستؤدي إليه حرب اليمن، لَما كانوا أقدموا عليها من الاساس. أكرّر، هذا رأيي الشخصي وليس رأي ادارتي.
– عن إيران، جَزم السفير انه بالرغم من ارتفاع وتيرة التصعيد والتهديد بين واشنطن وطهران، فالطرفان سيصلان الى لحظة، أعتقد انها لن تكون بعيدة، وسيجلسان معاً الى طاولة المفاوضات.