Site icon IMLebanon

لا تتلاعبوا بالحرّيات!

 

 

في كتابه الشهير: “عسكر على مين”؟ (دار النهار، 2004) يقول سمير قصير “بلى، الديموقراطية، أو الأحرى القليل المتبقي منها، في خطر” (ص23).

 

في هذا الكتاب الذي صدر قبل نحو عام من إستشهاده، حدد قصير المفاصل الأساسية لأفول الديموقراطية اللبنانية وإفراغها التدريجي من محتواها تطبيقاً لسياسات الوصاية السورية في تلك الحقبة تتويجاً لمسار مصادرة القرار الوطني اللبناني المستقل الذي بدأ مع الدخول العسكري السوري إلى لبنان سنة 1976 واغتيال كمال جنبلاط سنة 1977 ولم ينتهِ مع الخروج السوري سنة 2005.

 

ولكن، بالتوازي مع التشخيص الذي قدمه سمير قصير في مقالاته وتحليلاته عن الواقع اللبناني، لا يمكن الإغفال أن كل من حاول في الماضي تطبيق سياسة كمّ الأفواه وإسكات الناس سقط أخلاقياً قبل أن يسقط سياسياً.

 

فـ”الديموقراطية اللبنانية”، على هشاشتها ولوثتها الطائفية والمذهبية، بقيت على مدى عقود تشكل متنفساً للحريات العامة والحريات السياسية والاعلامية. وفي الوقت الذي كانت المنطقة العربية تعاني من الديكتاتوريات والأنظمة التسلطية التي قهرت شعوبها وأذلتها وأسكتتها، كان لبنان ينبض بالحريات من التظاهر إلى الإعلام إلى مختلف الوسائل الإعلامية الأخرى.

 

مع الثورة التكنولوجية وتطور أدوات العمل الإعلامي ونمو وسائل التواصل الإجتماعي وانتشارها في كل أوساط المجتمع لا سيما الشباب منها، أصبحت مسألة الملاحقات القضائية للناشطين على تلك المواقع تأخذ طابعاً يعكس سخافة محركيها، من دون التقليل طبعاً من مخاطره على البنية السياسية المرتبكة أصلاً بفعل غياب الإنجازات الجدية في أي حقل من الحقول.

 

الأمر ذاته ينطبق على ملاحقة الصحف ورؤساء تحريرها بسبب “مانشيت” سياسي ما يعكس ضيق صدر بعض مكونات السلطة!

 

الناس همّها لقمة العيش والسلطة همها إسكات الناس! وكأنه ممنوع حتى على المواطن اللبناني أن يعبّر عن غضبه، حزنه، ألمه، قلقه، خوفه. بدل توفير الطمأنينة للمواطن، تتجه بعض مكونات السلطة لتكريس الخوف ولتثبيت أعراف جديدة في الحياة الوطنية والسياسية والإعلامية وحتى القضائية بما ينذر بمخاطر كبرى!

 

مسألة الحريات في لبنان ليست مسألة هامشية، فرعية، تفصيلية؛ إنها معركة وجودية لهذا البلد الصغير الذي يسير نحو الإنهيار بفعل غياب الرؤية الإقتصادية والشفافية، وبسبب عدم إدراك البعض السبل المثلى لإدارة التوازنات السياسية في البلد واصراره على التلاعب بها بطريقة صبيانية تكاد تدمر كل ما أنجز بعد “الطائف” حتى اليوم!

 

في النهاية، كما البداية: “عسكر على مين؟”.