Site icon IMLebanon

«الباب».. التركي

دخول قوات «الجيش السوري الحر» المدعومة والمواكبة من قبل تركيا إلى مشارف مدينة الباب في الشمال السوري، يوجّه لطمة إضافية مباشرة للثنائي الإيراني – الأسدي، ويجبره ميدانياً على تنزيل سقف حساباته و«فتوحاته» وتوقعاته، مثلما أجبره اجتماع موسكو الثلاثي على الانضباط سياسياً تحت سقف «مسلّمات» روسية لا تتناسب تماماً مع هواه وأهوائه.

ودخول مدينة الباب يتوّج حملة «درع الفرات» التي انطلقت في الرابع والعشرين من آب الماضي لتحقيق أمرين كبيرين واستراتيجيين بالنسبة إلى أنقرة. الأول قطع الطريق أمام التواصل الجغرافي للمناطق التي تسيطر عليها «وحدات حماية الشعب» الكردية بالتوازي مع ضرب الإرهاب «الداعشي» وإبعاده عن الحدود التركية. والثاني إقامة منطقة آمنة تشكل ملاذاً للوحدات القتالية المعارضة، كما للنازحين داخل سوريا، مثلما تشكل نقطة توثّب وانطلاق باتجاهات ميدانية أخرى في منطقة الشمال عموماً.

وذلك إنجاز يحسب لتركيا أكثر مما يُحسب عليها. باعتبار أن كثيرين يربطون «درع الفرات» في ذاتها بقصة شرق حلب! ويأخذون على محمل الجد روايات تقسيم النفوذ بين القوى المنخرطة في الحرب السورية، واعتبار تغيير الخرائط معطى متصلاً بمفاهيم الصفقات اكثر بكثير من مجريات المعارك وصولات الكرّ والفرّ القتالية.

ولا بأس أبداً من الظن الحسن بنيات وغايات القيادة السياسية التركية وقدرتها على تنفيس ولجم استهدافات خطيرة ومتعددة الجنسية لكيانها الجغرافي ولأمنها القومي انطلاقاً من مسارات الحرب السورية.. عدا عن قدرتها على تأكيد كونها معنية تماماً بنكبة الأكثرية السورية وبمستقبلها في بلادها!

تُرِكت أنقرة على الرصيف من قِبَل إدارة باراك أوباما! ثم اعطاها حلف «الناتو» ظهره في أزمتها مع روسيا غداة إسقاط طائرة «السوخوي» قبل نحو عام! ثم راهنت إيران وتابعها رئيس سوريا السابق بشار الأسد على وضعها بين كماشتي العامل الكردي من جهة والإرهاب «الداعشي» من جهة أخرى… ثم قدمت واشنطن ما يكفي من «أدلة» خطيرة على عدم ممانعتها في تفضيل «المصالح» الإيرانية على مصالحها! وعلى امتداد حدودها مع سوريا والعراق دفعة واحدة!

وكان لافتاً وبارزاً، أن رفض واشنطن التجاوب مع معظم، إن لم يكن كل، طروحات تركيا في شأن النكبة السورية كان هدفه الفرعي متصلاً بسياقه الأساسي الذي يقول إن إدارة أوباما حرصت، وبجهد مميز، على عدم «إزعاج» الإيرانيين لا في الميدان ولا في السياسة، ومن اليمن إلى العراق إلى سوريا تحت لافتة السعي إلى إنجاح مفاوضات الملف النووي!

قمة المفارقة في هذه المناحة المعقّدة جداً، هي أنه في مقابل «الحالة العشقية» الإيرانية – الأميركية، كانت تركيا، وهي البلد الأساسي في منظومة «الناتو» والمعتبرة من حلفاء واشنطن التاريخيين في المنطقة، تجد الباب مفتوحاً أمامها من قبل روسيا «عدوّها» المفترض حيناً والواقعي جداً أحياناً أخرى (كما حصل بعد إسقاط السوخوي) بحيث أمكنها ذلك من تحقيق جملة إنجازات أعادت شيئاً من التوازن إلى الوضع في سوريا وانطلاقاً منها.

«درع الفرات» عملية أكبر من جغرافيتها، لأنها تدلّ على نجاح تركيا في إخراج «العامل الروسي» من نقطة الاصطفاف التام إلى جانب المشروع الإيراني (المذهبي – القومي) وترجماته في سوريا. مثلما تدلّ، على أن «الجيش السوري الحر» هو نواة «الخيار الثالث» الممكن والبديل عن ثنائية «الأسد أو داعش»، خصوصاً وأن هذه النواة لا تزال قائمة وواردة وحيوية وناشطة، وأبرز وأحدث دلالات ذلك كان دخول مدينة الباب بالأمس.. وغصباً عن سلّة تجمع الأوبامي مع الإيراني مع الأسدي مع بعض المكوّن الكردي!