موجة التفاؤل الداخلية ممنوعة من الصرف حالياً على مستوى إنجاز الإستحقاقات
أبواب الحلول في لبنان مُقفلة طالما الأوضاع في المنطقة مفتوحة
القلوب السياسية «مليانة» بالعناصر التي تحول دون إنتشال لبنان من واقعه الحالي
هل تبلّغ المسؤولون في لبنان إشارات دولية أو إقليمية بأن تسوية ما بدأ الإعداد لها في المطابخ الدولية ربما تُبصر النور بعد المخاض العسير الذي تجتازه المنطقة في الوقت الراهن، حتى بدأ منسوب التوتّر بالإنخفاض، وقنوات التواصل تُفتح وإن على مستوى ضيّق لملاقاة أي رياح حل يُحتمل أن تهبّ من خارج الحدود؟ أم أن ما تشهده الساحة الداخلية راهناً ما هو إلا مجرّد تهدئة تفرضها المخاوف الأمنية الناجمة عن عودة الحراك الإرهابي إلى الساحة اللبنانية؟.
ما من شك أن لبنان تلقى في الآونة الأخيرة نصائح من أطراف متعددة منها ما هو إقليمي ومنها الدولي وتقاطعت هذه النصائح عند نقطة مفادها بضرورة الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني في البلد، إلى حين انتهاء العاصفة التي تضرب العديد من بلدان المنطقة، غير أن الهاجس الأمني كذلك فرض نفسه عاملاً مساعداً في تهدئة الخطاب السياسي والإنصراف باتجاه العمل على ما يدعّم حالة الاستقرار، كون أن انفلات الأمور من عقالها في هذا المجال ستكون أكلافه كبيرة، سيّما وأن العوامل التي من شأنها تبريد الأجواء هي اليوم غافلة عن الوضع اللبناني بشكل تام كونها منصرفة إلى متابعة قضايا تعتبرها أكثر أهمية من الشأن اللبناني الذي يستطيع الإنتظار إلى حين بلورة التسوية في المنطقة.
هل إن موجة التفاؤل التي ظهرت فور إعلان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله مبادرته لتسوية شاملة تبدأ بانتخاب الرئيس وتفعيل عمل الحكومة وقانون جديد للانتخاب ستبقى سارية المفعول لأيام قامدة وستؤدي إلى أي مكان؟.
تسارع أوساط سياسية متابعة إلى ضرورة الأخذ بالمثل الذي يكرره رئيس مجلس النواب دائماً:«لا تقول فول حتى يصير بالمكيول»، فحتى الساعة كل فريق سياسي يحاول إسقاط الإيجابية على خطابه وتصرفاته وفق تمنياته ورغباته، ومن غير المتوقع ان تترجم أي مفاعيل لهذه الإيجابيات في وقت قريب، فعلى رغم جلسة «الخبز والملح» التي حصلت أمس في مقر الرئاسة الثانية فإن المناخات السياسية لم يطرأ عليها أي متغيرات جوهرية حيث بقيت القوى «السياسية على مواقفها» وهو ما يعني ان التفاؤل الذي ظهر في الأيام القليلة الماضية لن يجد له طريقاً للصرف في وقت قريب، وأن جُلَّ ما قصد من ورائه الرئيس برّي في نقل الحوار إلى عين التينة ودعوة أقطاب الحوار إلى مائدته هو الإشارة إلى الوضع الأمني المخيف، ولكي يقول لشركائه في هذا الحوار ان علينا إيجاد فسحة تضامن لمواجهة المخاطر المحدقة ببلدنا، وهو العارف أكثر من غيره بأن مربط الخيل الرئاسي وغير الرئاسي ليس في لبنان فقط ولذا فإن عوامل كثيرة مطلوبة وغير متوفرة حالياً لكي يسلك الوضع اللبناني طريقه إلى الارتياح.
وترى هذه الأوساط ان ما تشهده الساحة السياسية هو مجرّد تفاؤل مؤقت ويمكن ان يهتز عند أي محطة والدليل ما جرى في أحد الملاعب الرياضية في صيدا حيث كاد الأمر ان يتطور لولا مسارعة الرئيس نبيه برّي إلى وأد الخلاف في مهده ومنع انتشاره أو الاستثمار عليه من أي طرف سياسي.
بمعنى آخر، تُضيف الأوساط، أن القلوب السياسية «مليانة» بكل العناصر التي تحول دون ترجمة فورية لموجة التفاؤل التي برزت في الآونة الأخيرة، والعين المتابعة لمسار الأحداث والتطورات في لبنان والمنطقة لا ترصد على الإطلاق أي إمكانية لتلمّس الحلول للمشاكل القائمة لا على المدى القصير أو المتوسط أو البعيد، فطالما أن أوضاع المنطقة لم تُحسم، وطالما هي مفتوحة على كل الاحتمالات، فإن أبواب الحلول في لبنان ستبقى مقفلة ولن تُكتب الحياة لأي ذرة تفاؤل من الممكن أن تؤدي إلى تغيير الواقع الموجود حالياً على كافة المستويات.
ورغم هذه الصورة القاتمة للأوساط المتابعة فإنها لا ترى ضرراً في إبقاء الجو السياسي الحالي على حاله كونه يحافظ على برودة الشارع ويمنع الذين يستثمرون على الخلافات الداخلية لتمرير مخططاتهم من تحقيق هذه الغاية.