مقارنة بالعام الماضي، ازداد نشاط بعض اللجان النيابية التي تشكل العمود الفقري للمجلس النيابي. لكن بعضها يبدو غير موجود، إلا شكلياً، ليمثّل الملاذ الآمن للنواب الذين لا يريدون القيام بواجبهم الأول: التشريع والرقابة
رغم أن النفايات تُعدّ واحدة من الأزمات التي تدور حول نفسها من دون حلول، وتعود لتجتاح لبنان كل حين في البرّ والبحر، إلا أن لجنة البيئة النيابية لم تجتمِع مرة واحدة منذ بداية 2017. على النهج ذاته تسير لجنة الشباب والرياضة، وكأن القطاعين الشبابي والرياضي في هذا البلد ينأيان بنفسيهما عن الفساد والطائفية، ولا يحتاجان إلى ما يعالج الترهّل فيهما.
ورغم كل ما يخوضه المزارع اللبناني من معارك تتعلق بتصدير المنتجات وإلغاء اتفاقيات التبادل مع بعض الدول (كمصر مثلاّ)، وعجز المنتجات اللبنانية عن منافسة نظيراتها العربية، «غصبت» لجنة الزراعة نفسها واجتمعت مرّة واحدة طيلة 9 أشهر. أما لجنة الاقتصاد والتجارة فاجتمعت أربع مرات طوال هذه الفترة، وكأن ليس في البلاد مشكلات اقتصادية ولا تحذيرات وزارية من انهيار شامل.
يبدو أن أكثر التحديات التي يواجهها مجلس النواب تكمن في الدور التشريعي والرقابي للجانه. فالوقت القليل الذي تُمضيه هذه اللجان في أداء وظيفتها مقارنة مع «مصائب» البلد، لا يُمكن أن يفعّل عمل المجلس ككلّ. واللجان هي مطبخ صنع القرار التشريعي والرقابي، وفيها تُرسَم مشاريع واقتراحات القوانين. وكل قانون يمر في الهيئة العامة لمجلس النواب في ساعة أو ساعتين، يكون قد أمضى مئات الساعات في اللجان.
لا يشعر النواب بأيّ ضغط قانوني أو إداري يُذكر نتيجة تقاعسهم
المشكلة الأساسية في اللجان تكمن في أن عضويتها ورئاستها تخضعان للمحاصصة الطائفية والسياسية. وفي هذا المجال تحديداً، لا تتم مراعاة اختصاص النواب، ولا مدى تطابق خبراتهم العملية مع طبيعة اللجنة التي يتم انتخابهم لعضويتها. الأولوية تُحسب للمحاصصة السياسية، وتحديداً في اللجان الأساسية التي لأعمالها طابع سياسي. أما اللجان الأخرى، فمهملة، وتهمل العمل الموكل إليها.
مراجعة عمل اللجان في الأشهر التسعة الاولى من العام الجاري تُظهر أن ٣ أو ٤ لجان (الإدارة والعدل، والمال والموازنة، والأشغال والطاقة، والإعلام والاتصالات) هي التي تتحرك بشكل دوري، ويصفها النواب بأنها «العمود الفقري» للهيئة العامة. حتى إن إيلاء رئاستها الى النواب يجري بعناية، إذ يُنظر اليها كما لو أنها حقيبة وزارية. ويقول موظفون مخضرمون في البرلمان إن هذه اللجان هي «ظل المجلس» الذي تتّكل عليه الهيئة العامة لإعداد النصوص التي ستقرّها الهيئة العامة على شكل قوانين. وللإشارة إلى تفاوت الأهمية بين لجنة وأخرى يقول هؤلاء إن «نفوذ النواب ينبع من قوة لجانهم». وهذا ما كان يفسّر ما كانت تشهده الانتخابات على عضويتها من منافسة شرسة أحياناً، لكنها لم تُعد كذلك. فخلال العامين الأخيرين، لم تشهد انتخابات هيئة مكتب المجلس واللجان أي تغيير يُذكر. وآخر دليل، انتخابات اللجان التي حصلت منذ أسبوعين، حين جدّد المجلس، في جلسة لم تتجاوز مدتها عشر دقائق، للّجان ومقرريها، بالإضافة الى أميني السرّ والمفوضين الثلاثة. لم يطرأ سوى تعديل واحد على لجنة الشباب والرياضة، حيث حلّ النائب إيلي عون مكان النائب خالد زهرمان العضو في ثلاث لجان.
هذا الأمر من وجهة نظر عدد من النواب الذين تحدثت اليهم «الأخبار»، سببه عدم الاهتمام باللجان بحدّ ذاتها، إلا الأساسية منها. ويقول النواب إن «بعض الكسالى منهم يختارون أن يكونوا أعضاءً في لجان لا تجتمع، لأن اللجان المهمة غالباً ما يُصرّ رؤساؤها على الالتزام بالاجتماعات، فلا تتوقف اتصالاتهم إلا بعد تأمين نصاب الجلسة، لا سيما في لجنتي المال والموازنة والإدارة والعدل»، اللتين يعتبرهما رئيس المجلس الأكثر أهمية من باقي اللجان، إذ لا يُمكن للمجلس أن يواجه التحديات إلا عبر انعقادهما بشكل دوري ومكثف، نظراً إلى أهمية مشاريع واقتراحات القوانين المدرجة على جدول أعمالهما.
لكن هل يبرّر ذلك تقليل النواب من أهمية اللجان الأخرى وعدم حضور جلساتها؟ يفيد التذكير بأن النظام الداخلي للمجلس يتعاطى مع اللجان كلها بمنطق واحد، وتنص المادة ٤٤ منه على أن حضور جلساتها إلزامي. ويُعتبر مستقيلاً حكماً عضو اللجنة الذي يتغيب عن حضور ثلاث جلسات متوالية بدون عذر مشروع. وعلى رئيس اللجنة في هذه الحال أن يبلّغ رئيس المجلس بالأمر لانتخاب خلف له. لكن هذه الأحكام لم تطبّق يوماً. لماذا؟ ببساطة لأن النواب وفق ما يقولون «لا يشعرون بأي ضغط قانوني أو إداري يذكر نتيجة تقاعسهم»!
ويعيد بعضهم هذا التسيّب الى «عدم قدرة العديد منهم على تخصيص كامل أوقاتهم حصرياً للعمل البرلماني، لأنهم يزاولون مهناً أخرى»، فيما عبّر آخرون عن «عدم اهتمام جزء لا يستهان به من النواب بالتشريع بقدر العمل السياسي والخدماتي».
ويلفت عدد من النواب إلى أن إنتاجية اللجان لا ترتبط حصراً بعدد جلساتها، بل أيضاً بقدرتها إلى إيصال ما تبحثه، إما إلى الهيئة العامة، وإما إلى القضاء. فلجنة الاعلام والاتصالات، مثلاً، سبق أن أسهمت في الكشف عن فضيحة الانترنت غير الشرعي، من خلال عملها الرقابي، ودفعت إلى تحرك القضاء فيه وتوقيف مشتبه فيهم وإزالة محطات لبث الانترنت غير الشرعي الذي كان يؤدي إلى هدر مبالغ مالية طائلة. وفي السياق عينه، يشير بعض «أصحاب السعادة» إلى أن عدم إحالة مشاريع واقتراحات قوانين إلى لجان محددة لا يعفيها من الانعقاد، لأن العمل الرقابي للجان لا يقل أهمية عن دورها التشريعي.
رغم ما تقدّم، يؤكد الموظفون الموكل إليهم تقديم تقارير عن نشاط المجلس لهذا العام أن وتيرة اجتماعات اللجان أفضل نسبياً ممّا كان عليه الوضع العام الماضي. ويتبيّن من مراجعة الجدول المخصص لجلساتها، حتى شهر أيلول الماضي، أن اللجان التي تعقد العدد الأكبر من الجلسات هي بالترتيب لجان: الإدارة والعدل (٥٠ جلسة + ٢٨ فرعية)، المال والموازنة (٤٨ جلسة + ٥ فرعية)، الأشغال والطاقة (٢٩ بالإضافة الى ١٦ فرعية وورشتي عمل وعدد من الزيارات الى الخارج). ومن اللافت أن العديد من اللجان لم يعقد أي إجتماع في السنة، كلجنة البيئة، أو اقتصر نشاطه على اجتماع واحد كلجان شؤون المهجرين والزراعة والسياحة.
أما اللجان الأخرى، فعقد بعضها اجتماعات بمعدّل جلسة واحدة في الشهر، وأقل أحياناً. فخلال تسعة أشهر، عقدت الإعلام والاتصالات ٩ جلسات، ولجنة التربية والثقافة ٧ جلسات، والصحة والشؤون جلستين (ولقاءً وورشة عمل و١٢ فرعية)، والاقتصاد والتجارة (٤ جلسات)، وحقوق الإنسان (٦جلسات + ندوة)، والمرأة والطفل (٦ جلسات)، والدفاع والداخلية (١٢ جلسة + ٣ فرعية + لقاءين)، وتكنولوجيا المعلومات (٤ جلسات + ١٢ فرعية).