IMLebanon

لمن سيُعطى “مجد” قيادة التسوية الكبرى؟

 

 

حرصت السفيرة الأميركية دوروثي شيا على تلاوة بيان مكتوب بعد لقائها رئيس الجمهورية ميشال عون، وذلك رغبةً منها ومن إدارتها بعدم ارتكاب أي التباس في التعبير قد ينتج عن تصريحها، لكونها ستقدم على تغيير ملموس في موقف إدارتها من الأزمة الحكومية التي صار عمرها أكثر من ثمانية أشهر.

 

شيا قالت بالحرف الواحد: “بعد حوالى ثمانية أشهر من دون حكومة، ألم يحن الوقت للتنازل عن المطالب للتوصل إلى تسوية وتشكيل حكومة؟”. هي بالفعل تحدثت عن تسوية، يعني تفاهماً بين طرفين، والتقاء بين مطالبهما. وهذا يعني أن واشنطن حرفت تركيزها عن الشروط التي سبق لها أن ساقتها في سياق تحديدها للمعايير التي تريد من الحكومة الالتزام بها، ومنها على سبيل المثال أن تكون حكومة مهمة، أو أن “تدعم مطالب المحتجين اللبنانيين بحكومة مستقلة وذات سيادة”، أو “حكومة غير فاسدة تعكس إرادة شعب لبنان”، أو “أن تلتزم وتكون قادرة على تنفيذ إصلاحات تقود إلى تحقيق فرص اقتصادية وحوكمة أفضل وتنهي الفساد المستشري”.

 

أكثر من ذلك، يتحدث بعض المواكبين للموقف الأميركي بأنّ مسؤولين أميركيين تواصلوا مع مسؤولين لبنانيين في أكثر من مناسبة، وكان تشجيع واضح من جانبهم على الدفع باتجاه تأليف حكومة، وفق المعايير التي يتفق عليها اللبنانيون، بلا أي شروط من الجانب الأميركي. كل ذلك في سبيل تطويق الانهيار الكبير ومنع حصوله، وذلك في ضوء الانقلاب الذي أحدثته الإدارة الجديدة إزاء الملف النووي الإيراني. لكن الأخير قد يحتاج إلى أشهر قبل تبلوره فيما البركان اللبناني على وشك الانفجار، ومن الواضح أنّ الجهتين حيّدتاه عن ساحات الصراع بينهما.

 

وهو المنطق ذاته الذي يدأب رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط على الترويج له من خلال الدعوة إلى تسوية تلجم الانهيار وتحول دون الارتطام الكبير، وتجلس المتخاصمين الى طاولة واحدة على طريقة لا غالب ولا مغلوب. حاول جنبلاط توسيع بيكار الصيغة الحكومية طارحاً فكرة الـ24 وزيراً علّها تكون “ترياق” الصراع الواقع بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، مقابل منع الثلث المعطل عن أي فريق على أن يكون للفريق العوني ثمانية وزراء فقط.

 

لكن جنبلاط نفسه يدرك أنّ أياً من القوى لن يمنحه “امتياز” قيادة مبادرة انقاذية تؤتي ثمارها تفاهماً حكومياً، ولو أنّ الجميع متيقّن أن لحظة التسوية ستأتي عاجلاً أم آجلاً، ولكن الجميع يفضّل تجيير دور بطولتها لغير جنبلاط طبعاً، لا بل لغير اللاعبين اللبنانيين جميعهم. ولعل دخول السفيرة الأميركية على خطّ المشاورات الحكومية أقله من باب التخفيف من حدّة الضغوطات، والتمهيد لتقاطعات اقليمية قد يسهم في تسهيل ولادة الحكومة.

 

فعلياً، يكفي رصد الرسم البياني لمواقف القوى اللبنانية، ومنها “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر”، للتأكد من أن الفريقين يتركان خطاً للعودة. وباستثناء البيانات التي صدرت بشكل رسمي عن قصر بعبدا وبيت الوسط، فإن قياديي الفريقين لم ينغمسوا كثيراً في وحول الردود والردود المضادة كما كانوا يفعلون عند كل محطة سجالية. حتى أن زيارة وزير الصحة حمد حسن إلى سوريا مرّت بأقل الانتقادات الممكنة، مع العلم أن الزيارات العابرة للحدود عادة ما كانت تثير موجة من الاعتراضات من جانب المعارضين، بينما الضجة بدت خافتة إزاء الجولة الأخيرة، وقد يكون مرد ذلك لرغبة الجميع بتقطيع المرحلة بأقل توتر ممكن والابتعاد عن التشنج، لاقتناعهم بأن التسوية على الطريق.

 

وقد تكون تلك المناخات هي التي أملت على رئيس مجلس النواب نبيه بري تشغيل محركاته من جديد، مع العلم أنّ المطلعين على موقفه يجزمون بأنّه لم يطفئها بالأساس وهو لن يدخر أي جهد قد يؤدي إلى تسهيل ولادة الحكومة، والتي سبق له أن حدد قواعدها: لا ثلث معطلاً فيها.

 

ولذلك يبقى السؤال من يقنع الفريق العوني بالتخلي عن الثلث المعطل؟ أثبتت الوقائع بأنّ رئيس الجمهورية يخوض آخر معاركه، وبأنّه لن يتراجع مهما كانت الضغوطات أو الأكلاف. فلا التهويل بعقوبات قد تفرض من جديد على جبران باسيل، من شأنه أن يدفع بهما إلى تقديم أي تنازل، ولا الأكلاف الانسانية والبشرية التي يتكبدها المسيحيون جرّاء لجوئهم إلى الهجرة، قد تملي على الرئاسة التخلي عن هذا الثلث الذي يعتبره باسيل آخر أوراقه المضمونة لما بعد عهد ميشال عون… أم أنّ الأخير سينجح في جرّ الجميع إلى ملعبه وشروطه بعد تخلي الدول المعنية عن شروطها؟