IMLebanon

من سهام رفقي إلى دوروثي شيا

 

 

على أرض الواقع طوابير الخبز على أبواب الأفران لم تنجح في سرقة المشهد اللبناني، ولا كارثة هجرة السبعين في المئة من الشّباب اللبناني، ولا نفعت تحذيرات “البنج مقطوع” وكميّته على وشك النّفاد من المستشفيات، ولا حتى أخبار المورفين غير متوفّر ووزارة الصحة تتحدّث عن بديل من غير تمكن المواطن من معرفة ما إذا كان البديل له نفس مفعول الأصيل، حتّى “خبريّات” وئام وهّاب ومعلومات تغريداته عن “المليارات” التي سيغرق بها لبنان بعد الانتخابات لم تنجح في سرقة المشهد اللبناني، لأنّ لبنان غارق في أخبار تفاصيل عباية و”سكربينة” السفيرة الأميركيّة دوروثي شيا، في هذا البلد العجيب الغريب صوت عباية شيا يصدح على أنغام الملحّن “عبد الغني الشيخ” والمطربة سهام رفقي “يا امّ العباية.. حلوة عباتج” مع تفاصيل أخبار خطوطها الهندسيّة المثلّثة بلون البيج والبنّي، والشّعب “المنشال بريمو” يجد من يمنحه ترف تفاصيل تداخل بريم عباية السفيرة الذهبيّ العريض المزخرف بالرّسومات ويتمايل مطروباً “جمالك آية.. زينة صفاتج”!

 

لم يتعلّم اللبنانيّون من تجربة 13 نيسان العام 1975 ومخطط الأميركي هنري كيسنجر ومجازر الوطن البديل، مثلما لم يتعلّموا أبداً من المثل الأوكراني المرعب وهم يتفرّجون على دمار مدينة ماريوبول التي جرجرها إليه رئيسها فلوديمير زيلينسكي فيما كان بالأمس مستشاره ميخايلو بودولياك يوبّخ المستشار الألماني لتأخّره في اتخاذ قرارات عدة بينها تسليم الأسلحة، معتبراً أنّ “مصير ماريوبول يعتمد على السلاح الألماني الذى يمكننا حيازته لكنه لا يصل”، فيما زيلينسكي نفسه الرّاغب في مشاهدة المزيد من العقوبات على روسيا ومقاطعة غازها ونفطها يتجاهل إعلان ألمانيا رفضها مقاطعة الغاز الروسي، ولم يسمع ربّما المرشحة الرئاسية الفرنسية مارين لوبان تعلن: “لا أريد أن يعاني الشعب الفرنسي من تبعات العقوبات على النفط والغاز”، في وقت كان فيه جيران الشمال الأوروبي يتسابقون من فنلندا إلى السويد يستعطون انضماماً إلى “النّاتو” وفي طلب الحصول على عضوية الحلف في حزيران المقبل وفي وجههم يعلو التحذير الرّوسي من أنّ “هذه الخطوة لن تجلب الاستقرار إلى أوروبا”، كلّ هذه الإرهاصات الكونيّة التي من المفترض أن يتعلّم منها اللبنانيّون درس المصالح والتفكير جديّاً بأنّ الحياد الذي كنّا نطالب به للبنان ليس أكثر من وجهة نظر متى استجدّت في الأمور أمور، وأنّ الوعود الأميركيّة والأوروبيّة للدّولة الأوكرانيّة كانت مجرّد وعود كاذبة جرّتها إلى الحرب وتركتها وحيدة تذوق طعم الخراب والدّمار، مشهد ماريوبول ودمارها ومواطنيها المحاصرون والجثث على الطرقات يجب أن يكون درساً عميقاً للذين لا يزالون يصدّقون تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن ووعود السفيرة الأميركيّة دوروثي شيا بدعم صمود الشعب اللبناني على الأقل في موضوع الكهرباء حيث لا يزال الغاز المصري ينتظر الحصول على التمويل من البنك الدولي كما الحصول على الإعفاءات الاميركية من تداعيات قانون قيصر…

 

عباية السفيرة الأميركيّة وحذاؤها الكلاسيكيّ البنيّ ذو الكعب المتوسّط الطول والانشغال به يؤكّد أنّنا لم نتعلّم من الدّرس الأميركي ـ اللبناني ولا من الدّرس الأميركي ـ الأوكراني شيئاً وأنّ تاريخنا يؤكّد أنّنا نعاني من مشكلة مزمنة في تعلّم الدّروس واستخلاص العبر!