Site icon IMLebanon

دوري كميل شمعون: من يتحدّاني أقول له A La Maison

 

مشكلة ترايسي “«البنت الوحيدة”» وهذه علاقتي مع القيادات المسيحية

 

 

هو دوري كميل شمعون. هو الريّس دوري الذي لا يزال ينزل إلى بيت الحزب في السوديكو بصفته رئيساً فخرياً. بيت الوطنيين الأحرار هادئ ساكن يتكّئ على أرض منبسطة في قلب العاصمة تحوطه الخضار ويطل على أرزة من عمر إستقلال لبنان. وفي داخل البيت سكون لكن ماذا وراء كل تلك السكينة؟ يقف دوري شمعون حاملاً العمر (92 عاماً) والكثير الكثير من التجارب التي يتناولها بعفويته ولغته وأسلوبه. لم يتغيّر هو. غيره فعل. ولم يتخلّ عنه أحد – لم يسمح بذلك – بل هو من تخلّى عن كل الآخرين. صريح حدّ «الفجاجة» يقال عنه، أما هو فيقول «إنه بلع الساقية والبحر» من أجل لبنان الذي يبقى بالنسبة إليه «أولاً». فماذا في تجارب الرجل الزاخرة التي تستحق أن تبقى ذخيرة لأجيال مقبلة؟ علامَ ندم وأين أخطأ؟ وهل علمته السياسة اللبنانية ما لم يعلمه إياه كميل نمر شمعون؟ أسماء أربعة جعلت عيني الرجل تلمعان: زلفا الأم وزلفا الإبنة وطفلا شقيقه داني طارق وجوليان. وماذا بعد؟

 

باتت البحة في صوته أقوى من قبل أما ذاكرته فلا تزال حاضرة. يقول: «ولدتُ في بيروت، أصلي من دير القمر وأهلي كانوا من سكان الحدث. والدي كان محامياً يوم ولدت في العام 1931. وكنتُ طفل كميل وزلفا شمعون الأول أتى بعدي بثلاثة أعوام داني».

 

كم كانت فرحة الوالد كميل نمر شمعون به آنذاك؟ يجيب بمزاحٍ: لم أسأله. لكن ألم يشعر بها؟ يردّ شارحاً: «كميل شمعون أتى من عائلة متواضعة وليست مليونيرية (بمفهوم ثلاثينات القرن الماضي). كان لديه اربعة أشقاء – وهو خامسهم – وهم: جوزيف وفؤاد وإميل وجاك. كانت حاله «عال العال» في المحاماة لكن حين بدأ يتعاطى في السياسة اصبحت المحاماة بالدرجة الثانية في أجندته»، يتابع: تعلمت في صفّ Jardin d enfants عند الراهبات في الحدث (يضحك). أنا أسكن الآن في بعبدا وأمرّ غالبا امام أول مدرسة حضانة لي. الراهبات موجودات والمدرسة اصبحت كبيرة. انتقل اهلي من الحدث الى الأشرفية. في تلك الأثناء شغل والدي منصب سفير لبنان في لندن، فذهبنا معه ايام الحرب، في الأربعينات، الى لندن، وكان عمري 12 عاماً وداني الله يرحمه تسعة اعوام. لم تكن هناك حينها مدارس في قلب لندن لأن هتلر كان «يفش خلقه» وينزل ضرباً وقصفاً بلندن. كانوا يأتون إلينا بمدرّس خاص. لاحقاً، أثناء زيارة قام بها كميل شمعون الى الملك جورج (والد الملكة إليزابيت) سأله الأخير: عرفت أن لديك صبيين اين اصبحا في المدرسة؟ اجابه والدي: لم أجد لهما مدرسة. حكى ملك بريطانيا مع الخارجية الإنكليزية واعطاها مواصفاتنا انا وداني وطلب إيجاد مقاعد دراسية لنا. انا اصبحت في مدرسة بعيدة، في ذنب إنكلترا، بعيدة عن لندن مسافة 120 ميلاً، اما داني فكانت مدرسته بعيدة عن منزلنا نحو ثلاثين ميلاً. واصبحنا في مدرسة داخلية. وحين عاد كميل وزلفا الى لبنان عاد داني معهما وانا بقيت في بريطانيا حتى انتهيت من دراستي».

 

طالب رياضي

 

نال دوري شهادة المحاماة من الجامعة اليسوعية، نال الإجازة ولم يمارس المحاماة. لكن، هل يمكن ان نعرف اكثر عن الطالب دوري قبل وصوله الى الجامعة؟ هل كان مشاغباً؟ هل كان فجّاً كما يقال عنه اليوم؟ يجيب «كنت أحب الرياضة. والمدرسة كانت صغيرة بالكاد فيها 60 طالباً. كان فيها كل انواع الرياضات. وكنت أهوى رياضة الهايكينغ وكرة القدم. وصاحب المدرسة قرر ذات يوم طردي فهرول نحوه استاذ الرياضة وقال له بالإنكليزية: له له يا عمي… هذا طالب يلعب خمس او ست رياضات». لماذا قرر طرده المدير؟ «لأنني لم أكن أدرس. لم يكن لدي وقت لأدرس (يضحك) كانت الرياضة تأخذ الكثير من وقتي وكانت هناك صبايا جميلات. لكن، في المقابل، كنت أتمتع بذاكرة حادة. ما كنت أسمعه مرة أحفظه من دون ان اكتب كلمة. كانت هناك معلمة تعطينا التاريخ كانت تعلمنا وانا انظر من الشباك الى الحيوانات حول مدرستي. نادتني. وقالت: لماذا تنظر الى الخارج حين أعطيكم الدروس؟ أجبتها: لأنني أسمع بأذني اليسرى.

 

ماذا عن كميل نمر شمعون الأب؟ «هو درس وأخذ شهادة المحاماة لحاله. بنى نفسه بنفسه. كان كمحام «شاطراً». كان الناس يحبونه وهو يحب الناس. وأتذكر وجودهم في البيت، على السطيحة، ليقابلوه وينقلوا له همومهم. وكأب؟ كان يخصص لنا يوماً في الأسبوع، كان يوم صيد، وتأتي معنا الوالدة. نحن نصطاد وهي تقطف الزهور البرية. تعلمتُ كيف أصيب من والدي».

عاد دوري كميل نمر شمعون الى لبنان ويتذكر «لم نكن أنا وداني نهتم بالسياسة. ووالدنا لم يرد أن يقحمنا بها ولا نحن فعلنا ذلك. كنا نسأله بعض الأسئلة فيشرح لنا بالتفصيل. علاقتنا به كانت قوية». ماذا عن السؤال الاكثر الذي لاح يومها في باله وطرحه؟ يجيب: «لا سؤال «إكسترا»… وهو كان لطيفاً جداً معنا».

هل لعبت زلفا دور الأب والأم في ظل انهماك الوالد في السياسة؟ عاطفة كبيرة تبرز في عينيه كلما ذكر اسم زلفا ويقول: «لو لم تكن زلفا شمعون لما كان كميل شمعون. لم يكونا يملكان حتى ثمن كلسات. كانت تعمل على رتي الكلسات وترقيعها على سطيحة البيت. والدتي كانت فاعلة خير. هي من أسست مدرسة العميان «إغاثة الضرير» في بعبدا».

جميعهم عبد الناصر

 

كلام كثير دوّن عن الأب كميل نمر شمعون، لكن، هل أعطته حقّه؟ يجيب «الناس كانت تحبه. انتخب رئيساً لأن الناس تحبه ونجح في فعل الكثير». هل يتذكر الريّس دوري ثورة 58؟ يقول: «كان جمال عبد الناصر يريد ان يصنع من نفسه إمبراطور الشرق و»الزقيفي» كانوا كثراً. في البسطة لم يكن يستطيع أحد الكلام معهم. كلهم عبد الناصر. وقتها إشتغل كميل شمعون «صحّ» ولم يسمح له بالسيطرة على الرغم من الحلف بين مصر العظيمة وسوريا الكبرى – شيء عظيم عظيم مستهزئاً- الى أن فرطت الأمور بينهما.العراقيون كانوا أصحاب كميل شمعون. الأردنيون ايضاً. والسعوديون ايضاً وأيضاً. كنت أقصد العراق والأردن للصيد لا للسياسة. كنت اصطاد مع بيت سلام، كانوا اصحابي». من؟ صائب سلام؟ يجيب: «لا، شقيق صائب علي. صائب سلام كان صياداً فاشلا (يضحك). وكانت العلاقات سيئة بين كميل شمعون وصائب سلام. أحد المعارف دعانا مرة الى البقاع وأتى بطيور حمام بري ليصطادوها. صائب سلام «مش هالقد» كصيّاد أما كميل شمعون فكان قادراً على إسقاط الطير من وراء السحاب والغيوم».

غيرة الملك

 

يرتشف من فنجان القهوة مؤكداً أنه منذ سبعينات القرن الماضي توقف نهائياً عن التدخين ويتابع من أرشيف التجارب «كانت علاقتي مع ملك الأردن، الملك حسين، ممتازة. كنا نطير معاً في رحلات في سماء الأردن. كان يغار مني لأنني كنت أعرف الطيران أكثر منه (يضحك). أنا درست الطيران في لندن. محسوبك معو شهادة في الطيران. لم نتحدث أبداً في السياسة. كنت أعتبرها طق حنك. وداني بدوره أسس شركة في الأردن».

 

في ثورة 1958 كان دوري حاضراً على الأرض ويقول «أقفلنا مع الكتائب المنطقة كلها. كان خط تماس معروف بخط التران (القطار). وكل حزب أنزل عناصره ووضعنا نحن والكتائب اللبنانية شبابنا على خط التران. كان كميل شمعون، والدي، «مخّ». كان يحزر مسبقاً ماذا يفكر الآخر وماذا سيقول قبل أن يقول. وكان يفهم جيداً أبعاد صائب سلام وكل أخواننا في غربي بيروت وحتى كمال بك (جنبلاط) ويستبق ما سيقولونه ويفعلونه.

ولادة حزب

 

ولد حزب الأحرار قبل ثورة 1958 وخروج الرئيس شمعون من القصر بأشهر قليلة ويتذكر «أنا أعددت الدراسة حول إنشاء حزب الوطنيين الأحرار ووضعت ميثاق تأسيسه ومن يفترض أن يضمّ وسلمت الدراسة الى فخامة الرئيس وقلت له: يجب ان نستعجل صدور الترخيص لأن إذا غادرت – والجماعة مثلما نراهم – رب ربك لن يعطونا لاحقاً الترخيص. أخذناه. كميل شمعون كان إنساناً معروفاً في كل لبنان وخارج لبنان سياسياً وعنده أناس يحبونه بدليل عدد الأشخاص الذين هجموا» (هرعوا) للإنتساب الى الحزب من عكار الى الجنوب ومن كل الطوائف».

 

لماذا الحزب؟ ما كان الهدف من تأسيسه؟ الإستمرارية؟ يجيب «كل من لديه تفكير في خط سياسي معين يحتاج الى ماكينة والماكينة هي الحزب. كانت الكتائب تعتبر أنها كل شيء على الأرض ولم تنتبه حينها الى أن هناك أشخاصاً لا يريدون أن يكونوا كتائب، كما لم يجبرهم أحد أن يصبحوا «أحرار». الناس اختاروا بين كميل شمعون قائداً وبيار الجميل قائداً». هل كانت هناك محاولات عميقة لليّ عزيمة الأحرار؟ يجيب «تسلميلي، نحن في لبنان لا في لندن. الغيرة موجودة والعرقلة أيضا».

 

هل شهد دوري شخصياً على خلافات بين رئيسي الكتائب والأحرار آنذاك؟ يجيب «كان كميل نمر شمعون ذكياً ويعلم أن التغاضي أحيانا جائز لمصلحة البلاد. كان امثولة للجميع. وعلى الرغم من ذلك كانت العلاقات بحاجة في بعض الأوقات الى ترقيع. في أي حال الأخبار عن الخلافات مش محرزة».

تجنيد إجباري

 

كميل نمر شمعون أعجب ببشير الجميل كثيراً. فكيف كانت علاقة دوري وداني بكل من امين وبشير؟ يجيب دوري (المتحفظ عن أشياء) بالقول: «لم أكن أتعاطى في الشأن السياسي. تركت ذلك الى داني الذي أصبحت السياسة «على باله» وأنا كان آخر همي أن أصبح زعيماً سياسياً وما زلت. مارست السياسة لاحقاً وكأنها تجنيد إجباري. وإن كنت قد نجحت أحياناً بها».

 

أين نجح دوري شمعون سياسياً؟ يجيب «نجحت بالمحافظة على ما تركه شقيقي داني ووالدي كميل وأبقيت البيت الشمعوني مفتوحاً. وأتذكر ما قاله لي أحد أصدقائي الأرمن: أنتم «الأهرار» عظيمين عظيمين».

 

داني شمعون لم يستسغ في البداية السياسة لكنها أعجبته لاحقاً. هذا ما يرويه دوري ويخبر عن الوالد: أنه كان يريد أن يرتاح قليلاً من السياسة وأغوارها وينصرف الى السفر الذي يعشق والصيد ويقول «لم أكن لأعود الى الحزب لو لم يحدث لداني ما حدث».

 

رجل أعمال

 

في كل تلك الفترة كان دوري شمعون يهتم بالأعمال «كنت رجل أعمال أكثر من رجل سياسة. وأسستُ معملين «ميتاليك» لصناعة المصاعد والأبواب. وكان نهاري يبدأ عند السادسة والنصف صباحاً. أصل الى المعمل وأجلس عند الباب واسجل الواصلين وكل من يتأخر يأكل «بهدلة» (يضحك كثيراً)». هل نفهم من كلامه أنه كان منذ بداياته فجاً؟ يجيب «إذا أتى شخص وأخبرني ما هو غير صحيح. أأصدقه؟ التسامح في قاموسي ممكن مرة أما إذا تكرر فأعتمد مقولة: A La Maison». ويستطرد: «داني كان فجاً أكثر مني. ويا محلاني أمامه».

 

تزوج دوري شمعون مرتين ولديه أربعة أولاد، ثلاثة من زواجه الأول هم: «خواجه كميل وخواجه غبريال ومدموزيل كارول. ولديه من زواجه الثاني زلفا». ولديه أيضا تسعة أحفاد بينهم دوري، لسوء حظه، (يعود ليبتسم). وهل دوري جونيور يحب السياسة كما الجدّ؟ يقول: «أدفعه نحو الأعمال لا السياسة. هو يعمل مع والده كميل في مصنع «لانشات». إبني كميل (النائب كميل شمعون) يرسم وهو يقوم بالتصنيع. علمتُ جميع أولادي الرسم والموسيقى». وهل رحّب الريّس دوري بدخول كميل في السياسة من باب المجلس النيابي وهل لديه إنتقادات عليه؟ يجيب: لم أتدخل. لكن ألم يعطه نصيحة ما؟ يجيب: حين يسألني أعطيه. وهل سأله؟ يقول: أنا وأولادي «خوش بوش» وماذا قلت له هو: «يا إبني أنت تخوض السياسة في بلد يستأهل كرباجا».

 

هو أعطى كميل الإبن نصيحة، ماذا عن نصيحة كميل الأب له؟ يقول: «هي نكتة أكثر منها نصيحة. هو كان يقول للوالدة زلفا: الحقّ عليك إذا دخل دوري وداني في السياسة».

 

إنهمك دوري في عالم الأعمال الى أن بلغه نبأ اغتيال شقيقه الوحيد. ماذا عن تلك اللحظات؟ يجيب «كنت في الكوت دازور يومها. ونقل إليّ صديق مشترك ما حدث. إتصل يبكي ويقول: داني مات داني مات. وهذا كل ما أتذكره. ركبتُ الطائرة الى لبنان. قتلوه في منزلي الذي انتقل إليه مع عائلته».

 

من هو المتهم الذي فكّر به دوري شمعون حين سمع خبر إغتيال شقيقه الوحيد؟ يجيب: «لم تكن الفكرة في تلك اللحظة بحاجة الى ترجمة. وضعتُ كل الإحتمالات وعلى رأسها حلّ السوري. السوري فكّر ونفذ العملية لبنانيون. الخادمة التي «زمطت» وحيدة من القتل سمعت لهجة المنفذين».

 

عارض دوري شمعون اتهام «القوات» أما ابنة شقيقه داني، تريسي، فمشت في ركاب من اتهموا القوات اللبنانية ورئيسها… يقاطعنا بإجابة حاسمة: «لا، لا مبررات لذلك ولا معطيات، ومن أداروا الدعوى هم من كانوا يستلمون الحكم ويريدون تعزيز الشرخ بين المسيحيين والإطاحة بهم».

 

طارق وجوليان

 

هل حكى دوري مع تريسي في هذا الموضوع؟ هل تناقشا؟ يجيب «لا، لم أقل كلمة واحدة لها. هي بدت مقتنعة وتمشي في ركاب من أصرّوا على الإتهام، فقررتُ الإبتعاد عنها كي لا تتّسع المشكلة بيننا». لكن، تبدو تريسي اليوم وكأنها تعيد تقويم كثير من الأمور… يقاطعنا بالقول: «أنت تقولين ذلك» ويستطرد «هناك مشكلة لدى الولد الوحيد. الولد الوحيد إذا لم يجد من يدلّله يدلل نفسه. تريسي، لسوء الحظ، تفكّر على هذا النسق قائلة: أنا تريسي وأنا إبنة داني وبيي هو الذي مات…» يتمهل في الكلام، يصمت قليلا، ثم يتابع: «لا تغيب صورة الطفلين طارق وجوليان عن بالي لحظة. أحبّ الأطفال كثيراً. وابنتي زلفا أنجبت طفلين يذكرانني يومياً بطارق وجوليان، زعران (تحبباً) مثلهما. إنهما من أب إنكليزي ويعيشان في لندن لكنهما وصلا لتمضية أيام مع جديهما».

 

يشرق وجه دوري شمعون حين يتحدث عن طفلين في بيته الآن في بعبدا وعن طفلين أصبحا ملاكين في السماء. الريّس صريح جداّ وواضح وما في قلبه على لسانه. نسأله: كم غيّرك إغتيال داني؟ يجيب بصيغة الجماعة: «من يعيش في لبنان لا بُدّ أن يتغيّر يومياً».

 

علاقة دوري وسمير جعجع شهدت تقلبات. فكيف هي اليوم؟ يقول: «من بعيد لبعيد». هل نفهم من ذلك أن لا كلام بين الرجلين؟ يجيب «إتصلتُ به يوم حصل اتفاق معراب. هنأته (مستهزئاً). وماذا قال له الحكيم؟ أجابني: شو بدك نعمل؟ هل هذا معناه أن لا كلام منذ ذاك الحين؟ لا، نتكلم أحيانا لكن إبني كميل يراه أكثر. هو تحالف مع القوات ولو لم أرد ذلك لما فعل». يعود ويستطرد: «نحن والقوات في نهاية الأمر في خندق واحد».

 

العلاقة مع عون

 

علاقة دوري ليست جيدة مع كل القيادات المسيحية. أمين الجميل لا يراه. ماذا عن ميشال عون؟ يجيب: «أووووه… وينو؟ ويستطرد: كنت من الأوائل الذين مشوا معه في أواخر ثمانينات القرن الماضي. صعدتُ معه الى قصر بعبدا عام 1988، ويومها وجهتُ نداء الى اللبنانيين قلت فيه إنني سأنام في خيمة في القصر وإذا أردتم دولة إنضموا إليّ. أكثر من عشرين الف شخص لبوا النداء وصعدوا الى تلة بعبدا. وبعد يومين، حاولتُ أن أنقل خبراً ملحاً الى ميشال عون فمُنعت. أصبحتُ مضطراً لأن أرجو فلاناً وعلتاناً للقاء عون. فأيقنتُ بوجوب المغادرة سريعاً. ولاحقاً، حين أصبح رئيسا للجمهورية صعدت الى بعبدا كرئيس حزب. وانتهت العلاقة عند هذا الحد».

 

يقال أن داني كان معجباً بميشال عون؟ يجيب بسرعة: «أبداً، أبداً، هو مثلي أخطأ فترة قصيرة، قصيرة جداً، من الزمن». ويستطرد: «المصيبة أن ميشال عون لا يحب إلا ميشال عون. ولا مكان للصداقات لديه. لا تستمر أي صداقة مع هكذا شخصية».

 

لا يعير دوري إهتماماً لأي كلام يقول: إن الآخرين تخلوا عنه ويقول «أنا من تخلى عن هؤلاء لأن أسلوبهم لم يعجبني. لا مشكلة لديّ في الغطس في الوحول إذا تأكدت أن من هم ورائي سيفعلون. لكن، مشكلة كل من تخلوا عني أنهم يعتبرون أنفسهم «ريّاس»».

 

من هم أصدقاء دوري شمعون حاليا؟ يجيب «خلينا بدون هذا السؤال». هل نفهم من ذلك أن لا أصدقاء لديك؟ يهز رأسه دلالة الى عدم الإجابة ويقول: «أنا قررت الخروج من السياسة وأنتِ تنوين إعادتي إليها».

 

فلنتحوّل عربياً، هل لدى الريّس دوري صداقات عربية؟ ماذا عن علاقته مع الملك عبدالله إبن صديقه الملك حسين؟ يقول: «مش هالقد». «هو تزوج إمرأة فلسطينية سيطرت عليه أكثر من اللزوم».

 

الإنسان، حامل التجارب، يُخطئ، ماذا يرى هو حين ينظر الى دوري شمعون في المرآة؟ يجيب مازحاً: «أرى نفسي شاب حلو». ماذا يرى أبعد من الصورة؟ «أصبح عمري 92 عاماً، قد أعيش شهراً بعد أو سنة وليس على بالي التفكير لا بالسياسة ولا بأحد. شبعت. لكن، إذا أصريتِ فأنا أعتبر أن قلبي كان طيباً وآمنت ببعض الأشخاص الذين لا يستأهلوا».

 

ننتقل معه الى دير القمر. هو يصعد الى هناك كلما سنح له الوقت ويقول «كنت أنتقل يوم السبت الى هناك. أمرّ على الدامور وأتابع الى دير القمر. وهناك نتحدث «ديرانيا» (في أمور الدير). هناك بيت جدي، يرممه إبني كميل الآن هناك». يتمهل طارحاً سؤالاً: «هل تعرفين دير القمر. بمجرد وصولك الى السوق، أنظري الى الشمال، هناك شالوط (عين) جنبه بيت جدي. دير القمر ترتفع 800 متر وبيتنا نحو 900 متر». لا بيت للريّس دوري في دير القمر، ولا في السعديات. فلماذا تخلى عنه بسهولة؟ يجيب «بعنا أرض السعديات واشتراها الحريري (رفيق). ظننتُ أنه سيعيد ترميم البيت لكنه عاد وباع الأرض الى أحد الأشخاص من عين الخروب. مساحة الأرض كانت 24 ألف متر وليست مزحة». نسأله، كثيرون وجهوا لك اللوم لما فعلت؟ يجيب «قولي لهم أن «يسدّوا بوزن. فعلت ما يمكنني فعله ولن آخذ منهم الإذن بذلك». لكنه مَعلم شمعوني تاريخي؟ «لو طلبتُ منهم مالاً هل كانوا أعطوني؟».

 

ماذا عن بيت حزب الوطنيين الأحرار؟ قيل أنه عُرض أيضا للبيع في فترة من الفترات؟ يجيب: «هذا الكلام كذب وغيرة. مشكلتنا وخصوصاً بين المسيحيين الغيرة ومحاولات «الخوزقة» ببعضهم».

 

ننظر حولنا. بيت الحزب شبه شاغر. وأشخاص لا يزيد عددهم عن أصابع اليد الواحدة. وهناك من وضعوا أعينهم على الحزب وحول ذلك يعلق دوري «مشكلتنا في لبنان أننا في بلد صغير «يتفركش» الجميع فيه مع بعضهم، ويريد كل واحد أن يجلس في كرسي الآخر». ويستطرد: «لو أمكنهم «قطش» رأسي لفعلوا. لكنهم لم ينجحوا ولن ينجحوا. ولن أسمح لكمّ حمار أن يزيلني ويأخذ المؤسسة التي خربتُ الدنيا كي أحافظ عليها».

 

كثرٌ إعترضوا على مسار الحزب وخرجوا من فلكه و… يقاطعنا «وأنا طردتُ الكثيرين أيضاً. البضاعة التي تأتي لترتدي الزرّ فقط لا أريدها». كم عدد هؤلاء؟ «نحو دزينتين، بينهم من سموا أنفسهم نمور الأحرار. لا أريد هؤلاء في الحزب وليبلطوا البحر».

 

عدد المنتسبين حاليا قليل «من جددوا أوراقهم يمكن عدهم على الأيادي. هناك من ظنوا أن علينا أن نلحقهم الى البيت من أجل تجديد اوراقهم». اللبنانيون «منزوعين».

 

إنطلاقاً من كل ما قاله: ما لزوم حزب قلّ وهجه وصغر عدده؟ يجيب «من يغارون منا يحاولون تصغير قيمتنا».

 

يستيقظ شمعون اليوم نحو الساعة السابعة والنصف. ويعاني أحياناً من الأرق بسبب دواء يأخذه ويقول «أصبحتُ ماكينة عمرها 92 عاماً. ألعب أحياناً التنس مع الشباب وربنا يمنحني القوة. صحيح همتي خفّت لكنني أجاهد». ماذا عن القراءة؟ يجيب ممازحاً «لم أكن أقرأ يوم كنتُ في المدرسة فهل أفعل اليوم؟». (يضحك).

 

ختاماً، دوري شمعون يقول ما أحب كتابته ويوقّع بخط غير مفهوم قائلا «لن تستطيعوا قراءة ما أكتبه». نسجل خلاصة ما يريد قوله لمن يقرأ ويُنصت: «لبنان باق وأطلب من اللبنانيين ليبقى لبنان ذا قيمة التعاضد والدفع في اتجاه واحد ولا ينسوا أن لبنان أولاً».