لا داعي للمبالغة في القلق على التضامن الحكومي، أو حتى على مصير الحكومة في جلسة اليوم الاستثنائية، فالجيش الذي يطالب حزب الله ومعه كتلة التغيير والاصلاح بوجوده في عرسال، متواجد فيها، حيث يجب، والتعيينات القيادية الأمنية والعسكرية، التي تصر كتلة العماد عون على حسمها اليوم، رحّلها الرئيس تمام سلام الى الخميس المقبل، أي بعد العودة من رحلته الرسمية الأولى الى الرياض، ضماناً لبقاء السماء الحكومية صافية.
وهذا يعني ان كل الهوبرات التي تتالت ذهبت ادراج رياح الاتصالات والمساعي الاستباقية، الاقليمية والدولية، التي أثمرت قبول الاطراف المتطرفة في تطلعاتها، بابقاء الملفات المتفجرة خارج قاعة مجلس الوزراء، بداعي استكمال البحث أو ضيق الوقت، وكل الدروب تؤدي الى طاحونة التريث والانتظار؟
وانتظار اللبنانيين طال، كما هو ظاهر للعيان، فالجمهورية بلا رئيس منذ سنة، ومجلس النواب بلا تشريع، والحكومة تحلم ولا تحكم، في ظل قوى الواقع أو واقع القوة. وربما ستطول الحال أكثر، فنحن من ركاب المقطورة الأخيرة في قطار أزمات المنطقة وقبل السماح لنا بالترجل، علينا انتظار نزول ركاب مقطورة اليمن التي تتقدم الصفوف الآن، وبعدها العراق وربما ليبيا وأخيراً سوريا، وبعدها لبنان، ومن يتصور ان بوسعه أن يرى هذا البلد بمنأى عن ازمات المنطقة، قل ان ترسو الازمة السورية على بر، هو حالم، وربما لن ترسو الازمة السورية قبل حل معضلة الملف النووي الايراني، مع اميركا وعبرها اسرائيل، وهذه قد تطول ايضا، بعدما كسر وزير الخارجية الاميركية رجله، وبغياب العامل الداخلي المساعد على الحلول بفعل تصرف اطراف سياسية كوكلاء التفليسة تزداد المصاعب، وتتمدد الازمات، فبعض هذه الاطراف لا يكتفي بجعل لبنان ملعباً لفرسان المصالح الاقليمية، بل انه يصر على المشاركة في اللعبة… والبعض الاخر، يتجاهل الحروب التي تسكن المنطقة، وسط صراع المشاريع والرهانات، وسيادة منطق الاكراه والالغاء، ويتمسك بطموحات وتطلعات بعيدة كل البعد، عن متطلبات المرحلة الوطنية أو القومية، فأي ارث حزين سيتركه هؤلاء لمن بعدهم، اذا ما سقط سقف الدولة، وتلاشت اعمدتها المؤسساتية؟
وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس يرى من اجواء مجلس الوزراء ان حكومة المصلحة الوطنية لن تعمر طويلاً… في حين ان زيارة الرئيس سلام الى الرياض في هذا التوقيت وهذا البرنامج الذي يشمل لقاء الملك سلمان والجالية اللبنانية، تشجع على توقع العكس، بل هي فرصة للحصول على جرعة دعم اضافية…
والوزير درباس، معروف برصانته وواقعيته وصدقه مع نفسه، وتعقيباً على قوله المتشائم في ظاهره وفي مضمونه، قال مصدر قريب من الأجواء الحكومية: ربما كان الوزير درباس احتسب عمر الحكومة، انطلاقا من توقعه انتخابات رئاسية قريبة…
وقد يكون هذا من نوع التفاؤل المفرط، لكنه يبقى في خانة التمنيات المحببة. ويتلاقى مع القول الشائع: اذا ما كان صحيح ففأل مليح.
المصدر القريب، توقف عند اعلان نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري عن موافقة الرئيس سعد الحريري على اختيار العميد شامل روكز لقيادة الجيش، وتبلغ العميد روكز الموقف، ومع ذلك تابع العماد عون حملته السياسية والاعلامية على تيار المستقبل وأخواته، بالمباشر حيناً وبالمضمون أحياناً، وآخر تلك الحملات تبنّيه مشروع حزب الله لجرّ الجيش الى معركة مع التكفيريين في جرود عرسال، وبتوقيت الحزب، تماماً كما حصل في أماكن أخرى.
وواضح لفريق ١٤ آذار ان استدراج الجيش الى معركة الجرود، متعدّد المصالح والأهداف، فصاحب الدعوة الأساسي يريد مؤازرة الجيش له، وبالتالي للنظام السوري الذي يدافع عنه، بهدف تكريس انضمام لبنان الى محور الممانعة الايراني، وبالتالي قطع صلاحية بالتحالف العربي الذي تقوده السعودية، وبالقوة العربية المشتركة التي أقرّتها القمة العربية، بحيث يتطابق كلام اليونسي، عن سيطرة طهران على أربع عواصم عربية بينها بيروت، واستطراداً الوصول من عرسال وجرودها الى المشارف القلمونية المطلة على الطرق الدولية، بين دمشق وبيروت.
أما تكتل التغيير والاصلاح فيريد من تحرير جرود عرسال تكبيل قائد الجيش العماد جان قهوجي، وبالتالي، تسريحه من الجيش، ضماناً لعدم وصوله الى بعبدا…
رداً على سؤال حول العبقرية وعلاماتها، أجاب الرسام العالمي بيكاسو: ليس للعبقرية تجاعيد…
وعندنا يمكن القول: ليس للوطنية تجاعيد…