يلفّ الغموض معركة زغرتا النيابية في هذه الدورة أكثر من كل الدورات السابقة نظراً إلى عدم قدرة أي فريق على حصر اتجاه الرأي العام.
تشكّل زغرتا – الزاوية القضاء الأكبر ديموغرافياً في دائرة الشمال الثالثة ولديها 3 نواب موارنة، وقد فاز في الدورة الماضية كل من رئيس “حركة الإستقلال” ميشال معوّض والنائب طوني فرنجية وإسطفان الدويهي الذي صبّ قسم من أصوات “المردة” التفضيلية عليه.
منذ انتخابات 1992 تعيش زغرتا ثنائية بين آل معوّض وآل فرنجية، وقد غاب رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية عن البرلمان في دورة 2005 في حين أن معوّض غاب في دورة 2009، ونظراً إلى التوازنات الجديدة فإن الممرّ الأساسي لبقية عائلات زغرتا لتتمثّل كان عبر التحالف إمّا مع فرنجية أو معوّض.
وشكّل خروج الدكتور سمير جعجع من السجن وعودة العماد ميشال عون من المنفى إعادة إطلاق للحياة الحزبية في القضاء، لكن هذه العودة لم تترجم نواباً في ساحة النجمة، بل بقيت في إطارها الرمزي على رغم تحالف “القوات” مع معوّض و”التيار الوطني الحرّ” مع فرنجية في الفترة السابقة.
ويدخل اليوم معطى جديد على الحياة الزغرتاوية الإنتخابية ويتمثّل بترشيح “القوات اللبنانية” الناشط في المجتمع المدني ميخائيل الدويهي، وهذا الترشيح أعاد الزخم لحراك “القوات” في المنطقة.
لم يكن الرقم الذي حققه مرشح “القوات” في زغرتا في انتخابات 2018 مرضياً إذ نال مرشحها ماريوس البعيني 2776 صوتاً تفضيلياً، وهذا الرقم لم يعكس حقيقة التواجد القواتي هناك، ويعود التدني في هذا الرقم إلى عدّة عوامل أبرزها الإنقسام الذي خلّفه ترشيح البعيني داخل الجسم القواتي، أما السبب الثاني فهو الترويج بأن “القوات” لا تريد أي مقعد في زغرتا لأن تركيزها ينصب على أقضية بشري والكورة والبترون، لذلك فإن الناخب الزغرتاوي صبّ أصواته في المكان الذي يعتبره أنه يفيد.
وتختلف إستراتيجية “القوات اللبنانية” هذه الدورة في زغرتا عن الدورات السابقة مع ترشيح ميخائيل الدويهي، فاليوم تخوض معركة إثبات وجود أولاً ومعركة سياسية ثانيا وتهدف إلى تسجيل أعلى رقم ممكن.
وتنطلق “القوات” من معطيات جديدة تسمح لها بالدخول إلى حلبة المنافسة، وهذه المعطيات تتمثّل بطرح اسم جديد هو ميخائيل الدويهي والذي يعمل على تأمين أكبر حشد له من خارج صحن “القوات”، فعلى سبيل المثال يحاول الإرتكاز على تاريخ عائلة الدويهي وجذب الأصوات، ويتكامل هذا الأمر مع إعلان حزب “الوطنيين الأحرار” دعم مرشحي “القوات” في كل الدوائر ما يعني أن مشكلة أمين عام “الأحرار” يوسف الدويهي في طريقها نحو الحلّ، ما يجعل الإلتفاف العائلي الدويهي أكبر في وجه مرشّح “المردة” إسطفان الدويهي الذي يسلك خطاً مغايراً لتوجهات العائلة التاريخية ونال في آخر دورة 5436 صوتاً تفضيلياً.
أما نقطة التحوّل الأخرى والتي قد تعزّز أرقام الدويهي، فهي دعم النائب السابق سليم كرم له وتحالفه مع “القوات” وقد نال كرم في آخر دورة 1590 صوتاً تفضيلياً، وهذا يعني أن قسماً لا يستهان به من عائلتَي الدويهي وكرم يساند ميخائيل الدويهي، وهذا الأمر مهمّ في المعادلة الزغرتاوية.
وقد تستفيد “القوات” من تشتّت الصوت السنّي، ففي الإنتخابات الأخيرة ذهبت غالبيته إلى تيّار “المردة” و”التيار الوطني الحرّ” بإيعاز من الرئيس سعد الحريري، أما اليوم فإن هذا الصوت سينقسم بين اللوائح.
ويدخل ميخائيل الدويهي المعركة متسلّحاً بخطاب سيادي، وقد ساعده التعاطف المسيحي حول “القوات” وارتفاع أرقامها ما جعل الناخب الزغرتاوي يفكّر أن صوته سيكون له تأثير خصوصاً أن بعض الأرقام يدلّ على أن “القوات” تتقدّم وقد تسجّل مفاجأة.
في حال تمّ هذا السيناريو أو لم ينجح ميخائيل الدويهي في الوصول إلى المجلس، إلا أن الأنظار شاخصة نحو زغرتا مع إدراك الجميع أن “القوات” قد تكون في عداد القوى الثلاث الأوليات على الساحة الزغرتاوية، وقد يتكرّر ربما سيناريو النائب السابق فادي كرم الذي حلّ أوّل في الكورة وأسقطته لعبة الحواصل، لكن هذه المرّة قد تشهد زغرتا على سيناريو “كرم 2”.