ما حصل في طهران يوم الجمعة الماضي، وما حصل في الرياض يومَي السبت والأحد الماضيين، شكّلا معاً «فرصة» لإيران، لم يسبق لأي دولة أن حصلت على مثلها!
حصاد العقود الأربعة لسياسة القيادة الإيرانية لا يُعتدّ به داخلياً، وكارثي خارجياً. وليس أدلّ على ذلك، (بأبسط لغة ممكنة) من تصويت نحو ثلثي الشعب الإيراني مرة أخرى، ضدّ تلك القيادة في الإجمال، وضدّ مرشدها بشكل خاص. وضد المآلات العامة التي وصلت إليها الأوضاع اقتصادياً وتنموياً ومالياً. وضد السعي المركّز لاستدرار العداوات في عالم مفتوح على مصراعيه!
ما قالته غالبيّة الإيرانيين، إنّها شبعت من محاولات تعبئة الفراغ بالشعارات. وتعويض النقص التنموي بالبلاغات الدينية. وضمور مساحات الحرية بالتشدد في الخطاب التثقيفي.. ثمّ إحكام البنيان المذهبي وكأنّ البلاد جزيرة مقطوعة عن غيرها، ومكتفية بذاتها، وليست جزءاً من كل هو ذاته شعار «الجمهورية» والمحرّك الأول لِـ«ثورتها»!
تعبت تلك الأغلبية من الإصرار على لغة الحصار! واستدراج القطيعة وتداعياتها. ثمَّ الذهاب بعيداً في ادعاء دور نخبوي لا مقوّمات له! ولا بنى كافية يستند عليها. لا إزاء طموحات التشبه بالدول «العظمى»، ولا إزاء التحدّيات الماثلة منذ عقود، أمام عموم المسلمين والجيران العرب!
ما قاله الناخب الإيراني الذي ذهب بصوته الى الرئيس حسن روحاني، هو أنّ «الثورة» مرحلية وليست أبدية! وإنّ هذه أخذت فرصتها وزادت عليها! وإنّ عالم اليوم شديد التمركز، لأنّه شديد الانفتاح. ومحاولات المسّ به لا تفضح سوى أصحابها، ولا تكشف سوى عن دواخل هشّة يُراد أن تَظهر للخارج بأنّها صلبة وفولاذية وقهّارة جبّارة!
جاءت تلك الأغلبية في العام 2017 الى موعد مؤجل من العامل 2009! وستستمر في التردد على «المكان» ذاته، طالما أنّ هذه الدنيا تمشي الى العولمة الشاملة التي برغم أمراضها وانتفاخها، تبقى أسلم من القوقعة في شرنقة شعارات وادّعاءات مقفلة، دينية كانت أم قومية!
يعرف صاحب «القرار» الإيراني، أن كل معاركه الخارجية لا تعوّضه خسارة حربه الداخلية هذه! وأن الجمهور الإيراني هو ذاته «المنتصر» على النظام، والمنقذ لذلك النظام في الوقت نفسه.. ولأنّه سيّد هذه المعادلة، فهو صانع فرصة لا تعوّض، يضعها أمام صاحب القرار والنظام كي يغتنمها ويغنم!
.. والمعادلة في خلاصتها، تسري على قمم الرياض. باعتبارها دلّت وتدلّ صاحب القرار الإيراني على أن ازدواجيّة الأداء لم تعد بضاعة مقبولة! وأنّ المزاوجة بين «الثورة» و«الدولة» لم تعد خياراً متاحاً! وأنّ معادلة «الانفتاح» التودّدي على البعيد والانغلاق العدائي على القريب هي لعب هواة لا يتناسق ولا يتناسب مع المردود الكارثي والنكبوي له! وهو مردود لم يعنِ شيئاً آخر غير مراكمة الخسائر فوق بعضها البعض في الأرواح والثروات والقيم والمصالح ومكارم الأخلاق!
قمم الرياض، رمت أمام الإيرانيين حبلاً للخروج من أفخاخ الأزمات والكوارث التي وقعوا وأوقعوا شعوب العرب و«أمة» المسلمين فيها! سدّت المنافذ التي رأوا فيها فرصاً لانتهازها، وأحكمت الأقفال! لكنّها في الوقت نفسه، لم تغلق الباب تماماً: تركت حيّزاً لفرصة المراجعة وتعديل الأداء و«الدستور» بما يتناسب مع مقتضيات الحسّ السليم والمنطق الأسلم! طالما أن الحسّ المذهبي أو القومي، كان خدّاعاً ولم يوصل سوى الى الخسران! وطالما أنّ «منطق» «نصرة المستضعفين» مسح هؤلاء بالأرض وضاعف أعدادهم وبَدَّدَ آمالهم ويبّس مجسّات طلب العدل في شرايينهم!
.. يمكن لكل ناخب إيراني، ولكلّ مشارك في قمم الرياض، أن يطرح السؤال ذاته: ماذا جنت إيران بسياساتها على مدى العقود الثلاثة الماضية؟! أي عزّ راكمت؟ وأيّ أرض حرّرت؟ وأيّ شعب أعزّت؟ وأيّ تنمية عمّرت؟ وأيّ أمّة نصرت؟! يا حيف!