دلائل ووقائع تؤشّر إلى انحياز التظاهرات لجهات سياسية دون الأخرى
شكوك حول إحتمال إرتباط حوادث تخريب بيروت بإفشال تسوية الترقيات
إحداث التخريب سيُسقط القناع نهائياً عن حيادية وسلمية هذه التحركات
ما تزال تداعيات أحداث التخريب المنظّم التي استهدفت منشآت تجارية وسياحية في الوسط التجاري لمدينة بيروت الأسبوع الماضي تحت شعارات ومسمّيات جاذبة في ظاهرها للرأي العام كمكافحة الفساد وتغيير الطبقة السياسية ومحاسبتها وملف النفايات وما شابه، تُرخي بمفاعيلها ومؤثراتها السلبية لدى اللبنانيين وتزيد من منسوب القلق المتراكم في نفوسهم جرّاء تصاعد حدة الأزمات السياسية الناجمة عن التعطيل المتعمّد لانتخابات رئاسة الجمهورية من قبل تحالف «حزب الله» و«التيار العوني» والشلل المتواصل للحكومة ومجلس النواب والخشية من الانزلاق نحو الأسوأ إذا بقيت الأمور على حالها ولم تفلح جلسات الحوار في فتح ثغرة تساهم في حلحلة الأزمة السياسية ولو جزئياً وتؤدي إلى إعادة إنتظام عمل مؤسسات الدولة من جديد وتنعكس إيجاباً على تنشيط الوضع الإقتصادي.
وبالرغم من نجاح القوى الأمنية في مكافحة وتعقّب مرتكبي أحداث التخريب والفوضى والسيطرة على الوضع العام بكل جدارة من دون التسبّب بسقوط ضحايا، حاول كثيرون من مؤججي هذه الأحداث تحقيقها، إلا أن جهات سياسية بارزة تتابع عن كثب مجريات التظاهرات والتحركات المنظمة والمفتعلة والمتنقلة من ساحة لأخرى ومن وزارة إلى أي إدارة تستهدفها، إعتبرت أحداث نهاية الأسبوع الماضي وما رافقها من تخريب ومحاولة تدمير لمرافق سياحية مهمة في قلب بيروت ليس تصرفاً عفوياً على الإطلاق كما يحاول البعض تصويره للتخفيف من وطأته ومؤشراته وآثاره، بل هو عمل منظّم عن سابق تخطيط وتنظيم لبعض العقول السوداوية المعروفة التي تحرك هذه التظاهرات والتجمعات منذ البداية تحت شعارات وتسميات ومشاكل تهم اللبنانيين وهي مشاكل متراكمة جرّاء استفحال الأزمة السياسية وتعذّر إيجاد الحلول المطلوبة بفعل استمرار «حزب الله» بممارسة كل أنواع الترهيب المستتر والمباشر بسلاحه غير الشرعي لمصادرة القرار السياسي للدولة والسعي باستمرار لتغيير موازين القوى السياسية القائمة بقوة السلاح كما يحصل حالياً في انتخابات رئاسة الجمهورية المصادرة بقرار مكشوف من الحزب في انتظار ما ستؤول إليه تطورات الحرب الدائرة في سوريا كما كشف عن ذلك الأمين العام للحزب في إطلالته التلفزيونية الأخيرة وما يحاول أن يروّجه العديد من قيادات الحزب وحلفائهم بهذا الخصوص وتحديداً بعد التدخّل العسكري الروسي في هذه الحرب، باعتبارها قد تصب لتعديل موازين القوى السياسية والعسكرية المختلة لصالح تحالف الأسد وطهران، وهذا الواقع المستجد قد يمكنهم من فرض مرشّح الرئاسة الذي يرونه يدور في فلكهم ويؤمن مصالحهم.
وفي اعتقاد الجهات السياسية البارزة فإن اختيار توقيت تنظيم تظاهرة التخريب على عجل ومن دون الإعلان عنه من قبل، ناجم عن محاولة الأطراف السياسية التي توجه مثل هذه التحركات من بعيد ومن وراء الكواليس، الرد سريعاً على خطوة إفشال التسوية التي كان يحضر لها بخصوص ترقية صهر رئيس تكتل التغيير والإصلاح العميد شامل روكز وابقائه في الجيش مقابل إعادة تحريك عمل الحكومة وبعث رسالة مباشرة لخصومهم السياسيين الذين عطلوا هذه التسوية بأن ما حصل تجاه النائب ميشال عون لن يمر مرور الكرام، بل ستكون له تداعيات سلبية والبداية ما تعرض له الوسط التجاري لبيروت من تخريب وتكسير على ايدي محترفين بهذه الممارسات والأعمال التي تختزن في طياتها حقداً دفيناً ومتراكماً على كل مشاريع قلب بيروت خصوصاً وعلى كل المنجزات الإعمارية والتجارية والبنى التحتية في لبنان، والسعي من وراء استهداف بعض معالمها السياحية المرموقة تعميم مسلسل التخريب والتهديم وشل الحياة الاقتصادية والتجارية وإحداث أكبر قدر من الفوضى وعدم الاستقرار في البلد كلّه.
وتعتبر الجهات السياسية البارزة ان جنوح مشاركين معروفين في هذه التحركات والتظاهرات لممارسة التعديات والاستفزازات المقصودة تجاه قوى الأمن الداخلي والمشاركة في احداث التخريب والفوضى هذه المرة يسقط القناع نهائياً عن حيادية وسلمية هذه التحركات ويضعف مفاعيل الشعارات والعناوين التي تلطت وراءها منذ البداية ويقلص صدقيتها لدى الرأي اللبناني إلى أدنى الحدود ويضعها في خانة أطراف وجهات سياسية معروفة بانخراطها في المحاور الاقليمية الهادفة الى إلحاق لبنان بها خلافاً لرغبة وتوجهات معظم اللبنانيين ويضعها في مواجهة مباشرة مع شرائح شعبية وفئات وأطراف تعارض ممارساتها الهدَّامة والتخريبية بما يعرض الأمن والاستقرار لاهتزازات غير محسوبة ويدفع بلبنان إلى وضعية غير مستقرة ولا يمكن التكهن بتداعياتها السلبية وارتداداتها على الوضع العام.
وتذكّر الجهات السياسية البارزة بالشعارات والعناوين والملفات التي روّجت لها هذه التحركات منذ البداية وخصوصاً مشكلة النفايات الضاغطة على كل اللبنانيين ومن خلالها تدرجت للمطالبة باستهداف المؤسسات الرسمية كمجلس النواب والوزراء وبعض الوزارات المحسوبة على أطراف سياسيين معينين كقوى 14 آذار وتجاهلت مشاكل وملفات وقضايا أكثر الحاحاً وتأثيراً على الواقع السياسي والنهوض بالدولة ككل كمشكلة سلاح «حزب الله» التي ترخي بتأثيراتها السلبية على الواقع اللبناني كلّه ومشكلة الكهرباء التي تستنزف جيوب وراحة اللبنانيين ومصالحهم كل دقيقة ومشكلة تعطيل رئاسة الجمهورية وتداعياتها على انتظام عمل الدولة ككل كون الملفات والمشاكل الثلاث تقع تحت تأثير وهيمنة «حزب الله» وحليفه «التيار العوني» وانحرفت لتتبنى مشكلة النفايات دون غيرها، الأمر الذي أعطى انطباعاً شبه واضح لدى العديد من اللبنانيين عن الجهات المستورة والداعمة وراء تحركاتها والأهداف المتوخاة جرّاء تنظيم مثل هذه التظاهرات، ليس أقلها ممارسة أقسى الضغوط السياسية والأمنية على خصومهم السياسيين في هذه المرحلة الحسّاسة والصعبة الناجمة عن الفراغ السياسي الداخلي والحرب في سوريا، لفرض رئيس جديد للجمهورية موالٍ لها تحت وقع هذه التحركات أو التهديد باستهداف قلب العاصمة كما جرى أكثر من مرّة حتى الآن.