لا أحد من الافرقاء السياسيين ينكر أن قانون الانتخابات النيابية، الجديد، والقائم على النسبية وتقسيم لبنان الى سبع عشرة دائرة ذات طابع طائفي ومذهبي، في الغالب، كما و»الصوت التفضيلي»، اشعل سجالات سياسية غير مسبوقة، ليس بين الخصوم السياسيين فحسب، بل بين «الحلفاء» أنفسهم.. وصلت الى حد خروج رئيس مجلس النواب نبيه بري عن صمته مبدياً امتعاضه مما يحصل، وقد سادت لغة الأموال وشراء الاصوات من دون أي رادع، لافتاً الى «ان عدداً من الثغرات ظهر حتى الآن في قانون الانتخاب، وان هناك حاجة الى تطويره، وهذا سيكون برسم المرحلة المقبلة والمجلس القادم..».
من يتابع ما يسجل يومياً من مواقف يدرك حجم وخطورة ما يصيب الاستحقاق، سواء بين «الحلفاء» أنفسهم او بين «الحلفاء» والخصوم، من انتكاسات، يراها البعض «مؤقتة» ويراها آخرون أنها «تعبير عن حقيقة ما يتطلع اليه كل فريق حاضراً ومستقبلا..»؟!
يتفق غالبية المتابعين للاستحقاق على ان أسوأ ما يرافق الاعداد للانتخابات النيابية الموعودة في السادس من ايار المقبل، هو ارتفاع وتيرة الخطابات الطائفية والمذهبية التي تضع لبنان أمام امتحانات بالغة الدقة، بل والخطورة، ويهدد وحدته الوطنية وتبعد الانتخابات عن مسارها الديموقراطي المفترض، وتعزز سيطرة اللغة الطائفية والمذهبية، وأحياناً «المناطقية»؟!
الواضح، وباعتراف عديدين من القيادات والقوى السياسية، أن قانون الانتخابات هذا، لم يكن سوى «ميني ارثوذكسي» الذي سقط بغالبية أصوات هذه القوى.. كما أنه لم يرقَ بالبلد الى مستوى الحياة السياسية الوطنية – الديموقراطية المطلوب تعزيزها في هذه المرحلة أكثر من أي مرحلة سابقة.. وهو الذي دعا البعض الى الانتظار وما ستكون عليه نتائج الانتخابات، من تشرذمات وانقسامات ورفع مستوى الشروط والشروط المضادة.. ومع هذا، فإن البعض يرى ان العلة الحقيقية ليست في القانون وحده، على رغم الثغرات العديدة فيه، بل ان العلة الحقيقية هي في تدني الخطاب الانتخابي الى الحد الأدنى، إذ ليس على ألسنة الغالبية من «القيادات» إلا الرجم بكل العبارات والاتهامات القاسية أمام جماهيرهم المحتشدة..
في حساب عديدين ان المعركة هي بالنسبة الى البعض، هي «معركة حياة او موت..»، «نكون او لا نكون..»؟! وكأن الانتخابات المقبلة باتت مفصلاً بين الوجود، وكيف يكون هذا الوجود، وهل يحافظ كل فريق على قوته وحجمه او ينتقص منها فيقل مقداره وتأثيره.. والعناوين المثارة، هي في غالبها مذهبية وطائفية ومناطقية وهي «تكشر عن أنيابها..» وتعرض «التحالفات» الحالية الى نكسات يستحيل ضبضتها بسهولة ومن دون أثمان غالية.. ومن اسف ان البعض يحاول تغطية هذه السجالات العالية النبرة، بحجة «أنها الانتخابات.. وان الانتخابات تستدعي مثل هذه المواقف والنبرات» على رغم ان قيادات بارزة عبرت عن امتعاضها، كالرئيس نبيه بري، مثلاً، الذي رأى «ان العزف على الاوتار الطائفية والمذهبية والمناطقية وغير الوطنية لا يصب في مصلحة اجراء الانتخابات في أجواء طبيعية..» وهو، على ما نقل عنه عدد من زواره، أبدى عن امتعاضه من مظاهر صرف النفوذ التي تسجل في عدد من الدوائر، لافتاً الى «ان هناك شكاوى متزايدة من لجوء مرشحين يملكون مواقع في الدولة، او تربطهم علاقات بأجهزة رسمية الى استخدام هذا النفوذ لاغراض انتخابية..» ليخلص مؤكداً أمام زواره «ان القانون الحالي بحاجة الى تطوير..» ومعتبراً ان «التجربة العملية تظهر أنه أقرب ما يكون الى ميني ارثوذكسي..»؟!
ليس من شك في ان لبنان عموماً، يمر بمرحلة دقيقة وصعبة للغاية، وعلى المستويات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والخدماتية والتربوية كافة، وان الرهان على ما ستؤول اليه الانتخابات هو «كالمستجير من الرمضاء بالنار..» والبعض يتطلع الى ما سيؤول اليه مؤتمر «سيدر» الذي يبدأ أعماله في باريس اليوم، بحضور الرئيس سعد الحريري، آملاً في ان يجسد طموحات اللبنانيين.. باعتبار أنه يجسد تظاهر دولية وحدثاً بارزاً يؤكد أهمية لبنان وما يمثله على المستويات العربية والاقليمية والدولية.. الامر الذي يستدعي صرف هذا الرصيد الخارجي في مشاريع انتاجية وضبط الاسهال في الانفاق وتجنب الهدر وتركيز الصرف على مثل هذه المشاريع.. وضبط الخلافات بين الافرقاء تحت سقف المصلحة الوطنية والوحدة الوطنية الجامعة والمانعة..
قد يكون من السابق لأوانه الحكم على ما ستؤول اليه الاوضاع بعد اجراء الانتخابات.. وعديدون لا يتوقعون تغييراً يذكر، وان ما سيحصل لن يكون سوى «نسخة» طبق الاصل، عما هي عليه الامور اليوم، وان ببعض التغيير في عدد من الاسماء، الامر الذي قد يحمل في طياته هبة طعون انتخابية؟!