IMLebanon

شكوك بمدى صدقية عون في الحوار

في الوقت الذي لا يصدر عن طرفَي الحوار المسيحي أيّ تشاؤم حول النتائج، تترقّب أوساط مستقلّة مسارَ الحوار «العوني» ـ «القواتي» الذي تنطبق عليه، باستثنائه إلى الآن موضوعَ رئاسة الجمهورية، جملةُ السيّد المسيح: مرتا مرتا تهتمّين بأمور كثيرة والمطلوب واحد».

وإذا كان الهدف الذي من أجله أطلِق هذا الحوار لم يتمّ الغوص فيه، فعن أيّ محور خلافيّ سيتحاور جعجع وعون، وإذا كان الكلام بين الموفدين لم يتطرّق الى رئاسة الجمهورية في اعتبارها «تحصيل حاصل» في أجندة الحوار الملأى بالقضايا الاستراتيجية، فكيف يمكن إقناع الرأي العام بجدّية هذا الحوار، وإمكانية وصوله إلى نتائج حقيقية.

في سرد التاريخ القريب للعلاقات المسيحية ـ المسيحية، يمكن ملاحظة حدّة الخيارات التي اتّخِذت، والتي أدّت إلى جنوح كبير، خصوصاً بعد العام 2005، حيث انتقل العماد ميشال عون من ضفّة الى أخرى، هادماً كلّ تاريخه، على الأقلّ منذ العام 1988، فهل سيحاور عون جعجع في هذه الانعطافة الحادة؟

وهل يملك الجنرال أوراقَه في يده، ليحاورَ في سلاح حزب الله، وفي ورقة التفاهم، التي باتت تصلح لأن تطبّق في اليمن وسوريا والعراق، لا في لبنان، وهل سيحاور عون جعجع في رفضه المحكمة الدولية، وفي تأييده المطلق للنظام السوري ولإيران؟

الأرجح أنّ كلّ هذه القضايا لن تكون على طاولة هذا الحوار، الذي اقتصر إلى الآن على لقاءات تصلح لوصفِها «لقاءات العلاقات العامّة»، لا الحوار الجدّي.

ساعة الحقيقة لم تدقّ في هذا الحوار، وهي الساعة التي سيحين الكلام فيها عن الانتخابات الرئاسية. لا جعجع سيؤيّد عون، ولا الأخير سيتراجع عن ترشيحه، لا بل إنّ عون سيطلب من جعجع تأييدَه للرئاسة، وبعد رفضِه المرجّح، ستعود القصّة الى نقطة الصفر.

عندها لن يكون مستغرَباً أبداً، أن تُستعادَ الحملات الإعلامية لدى الطرَفين، وخصوصاً العوني الجاهز دائماً لسحبِ خطابات التجريم من الأدراج حين تقتضي الحاجة، عندها ستعود الآلات الإعلامية إلى العمل بكلّ طاقتها، كذلك سيستعيد محامو الطرَفين نشاطهم في وزارة العدل ذهاباً وإياباً.

يبقى السؤال: لماذا لم يبدأ الحوار «القواتي»ـ «العوني» حول الرئاسة بعد، ولماذا يضيّعه أصحابه عمداً في متاهة وملهاة أوراق العمل وإعلان النيّات وسواها من الابتكارات الكلامية؟ هذا السؤال هو الوجه الآخر للتساؤل عن سبب عدم قيام أيّ من الطرفين بحشرِ بعضهما البعض في القضية الرئيسية التي من أجلها بدأ الحوار وهي الرئاسة.

قد ينحصر الجواب الآن بوجود تلاقٍ بين جعجع وعون على كسبِ الوقت وانتظار نتائج الحوار السنّي ـ الشيعي، لا بل انتظار نتائج المبادرات الخارجية في الملف الرئاسي، تلافياً لأيّ تسوية قد تكون على حساب الطرفين، وقد يمتدّ الى أكثر من ذلك، أي حين يشعر كلّ طرف أنّ لحظة الانقضاض قد حانت، والمقصود هنا عون المشهور بقدرتِه على الالتفاف على عهوده، (مثلما حصل في القانون الأرثوذكسي) عندها يمكن توقّع لجوء عون إلى الخطّة «ب» وهي تقتضي نفضَ يدِه من الحوار وتحميلَ جعجع مسؤولية فشلِه، وتحميله أيضاً مسؤولية هدر فرصةٍ تاريخية لالتقاء المسيحيين واسترداد حقوقهم.

أمام هذه الاحتمالات، تسأل أوساط مستقلّة جعجع عن مدى ثقتِه بعون وبالحوار معه، وعن مدى اطمئنانه إلى أنّ هذا الحوار لن يكون طريقاً إلى محاولة تنفيذ إعدام سياسيّ في حقّه على الصعيد المسيحي، بالطريقة والأسلوب نفسيهما اللذين كان عون يعتمدهما في السابق (في العام 1988، وما بعد العام 2005).