IMLebanon

النزول عن الأشجار أم تعميق المأزق؟

ليس في الذاكرة مرحلة كان فيها لبنان من دون أزمات ومشاكل، باردة أو حارة، محلية أو مرتبطة بتحولات خارجية. ولا وقت خلا من رجال دولة، في السلطة وخارجها، ومن دول تدفعها حساباتها الى إعطاء الأولوية للبحث عن تسويات أو أقله لوضع ضوابط تمنع تعطيل الحدّ الأدنى من معالجة قضايا البلد والناس. لكن المعادلة التي تتحكم بنا في المرحلة الحالية هي سهولة تحويل أي خلاف أو قضية الى أزمة، وصعوبة حلّ أية أزمة بحيث تصبح مأزقاً. وهي أيضاً كثرة رجال السلطة والمهجوسين بها، وندرة رجال الدولة، وقلّة الدول التي تضع هموم لبنان واللبنانيين ضمن اهتماماتها وتحاول بالفعل، لا بالقول، فتح الطريق لملء الشغور الرئاسي.

والجديد هو تمكين مجلس الوزراء من اتخاذ قرار الضرورة في مواضيع ملحة جداً بعد طول تعذّر بسبب الخلاف على ما وضعه العماد ميشال عون وحلفاؤه في باب أم الضرورات: البحث في التعيينات العسكرية وآلية اتخاذ القرار في المجلس وتكريس المشاركة. فهل كان غياب الوزراء الذين أصرّوا في كل جلسة على أم الضرورات هو الاخراج المناسب للجميع في اطار العمل على مخرج من المأزق كله؟ وهل دقّت ساعة النزول عن الاشجار العالية التي صعد اليها أكثر من طرف أم ان اللعبة لا تزال معقدة؟

ليس في لبنان، ولا خارجه، من يستطيع ان يلعب دور سيد اللعبة، وان كان هناك من يحاول ويتصرف بما يوحي ان المفتاح في يده. فالمعنى البسيط لأزمة المشاركة هو التسليم بالحاجة الى كل اللاعبين ومخاطر استثناء اي لاعب. والمعنى الأبسط لانتظار ما بعد الاتفاق النووي والرهان على تفاهم ايراني – سعودي برعاية أميركية او من دونها لفتح الباب امام انتخاب رئيس للجمهورية هو ان المفاتيح في ايدي اكثر من جهة. ومن الوهم الرهان على طرف اقليمي او دولي واحد يقال انه منتصر لفرض الرئيس الذي يريد.

وكل حديث عن الذهاب الى المجهول، من باب التخوف أو من باب التخويف، هو إما هرب من المعلوم، وإما رهان على معلوم ضمن خطة غير معلنة. فالمرض اللبناني معروف. والعلاج معروف، لكن استخدام العلاج ممنوع. والمسموح به هو التكيف مع المرض وتوظيفه في المكاسب السياسية والمالية للامراء والنافذين والمحظوظين والمحظيين. فالطريق الى دولة مدنية، ولو بالتدرج من دون الحلم باسقاط النظام بالضربة القاضية، مغلق من الداخل والخارج. والسير في الاتجاه المعاكس من نظام طائفي تعددي الى نظام ديني أحادي مفروض بالقوة هو وصفة لفشل اكبر من فشل النظام الحالي.