نهاية أسبوع «الغضب على المصارف»، تحوّلت إلى معركة «مفتوحة» مع القوى الأمنية وشرطة المجلس النيابي والجيش، ليل السبت وأمس الأحد، للعبور إلى ساحة البرلمان. مواجهات السبت في وسط البلد، بعد مسيرات حاشدة مرّت بجمعيّة المصارف ووصلت الى أحد مداخل ساحة النجمة، اعتُبرت الأعنف منذ بدء الانتفاضة. مشهد ليل أمس، لم يكن أخف زخماً وعنفاً، بعدما تراجع احتمال إعلان تشكيلة الحكومة بعد الظهر، ومع تزايد القمع الأمني و«البطش» السياسي في مواجهة المنتفضين. تصريحات السياسيّين وعدد من النواب لم ينقصها من الوقاحة شيء لتصف المحتجّين بالـ«مخرّبين» لوسط العاصمة، فيما تفرّد الرئيس سعد الحريري، أول من أمس، بوصفهم بالـ«مرتزقة» و«المندسين»، ليتدارك موقفه أمس، متوجّهاً إلى الطرابلسيين كوصيّ عليهم بالقول: «يعزّ عليّ أن يقال إنه تم استقدام شبان باسمكم لأعمال العنف (…) واحذروا رفاق السوء».
بدلاً من التسريع في إيجاد الحلول والمخارج للأزمة الاقتصاديّة، جرى تكثيف الاجتماعات الأمنيّة للبحث في كيفيّة مواجهة المحتجّين و«إعادة الأمن» إلى العاصمة. رئيس الجمهوريّة ميشال عون يترأسّ في بعبدا، ظهر اليوم، اجتماعاً أمنياً للبحث في «تطوّرات الوضع الأمني»، سبقه طلب الرئيس، أول من أمس، «إلى وزيري الدفاع والداخلية والقيادات الأمنيّة المعنية المحافظة على أمن المتظاهرين السلميين ومنع أعمال الشغب وتأمين سلامة الأملاك العامة والخاصة وفرض الأمن في الوسط التجاري». زيارة قائد الجيش جوزف عون لثكنة الحلو بحضور المدير العام لقوى الأمن الداخلي عماد عثمان، و«تنويه عون بجاهزيّة القوى الأمنيّة» كما أعلنت وزيرة الداخليّة ريا الحسن في تغريدة أمس، تقاطعا مع الاستنفار الأمني في وسط بيروت: عراضات للجيش بأسلحته المتوسطة قبل بدء المواجهات، واستخدام شرطة مكافحة الشغب للرصاص المطاطي من مسافات قريبة وخراطيم المياه وتحويلها سماء بيروت إلى سحب من الغاز المسيل للدموع. شرطة المجلس النيابي اتُّهمت بإحراق خيم المعتصمين في ساحة العازارية، كما نقل شهود عيان وصور وفيديوات متداولة، إضافة إلى تسجيل تمركز عناصرها أمس على سطح أحد الأبنية ورميهم الحجارة فوق رؤوس المحتجّين.
عشرات الجرحى والمصابين، ناهز عددهم 500 يومي السبت والأحد، نقلتهم فرق الصليب الأحمر والدفاع المدني إلى مستشفيات بيروت، فيما عالجت العشرات ميدانياً. الإصابات شملت مختلف أنحاء الجسم، وتنوّعت بين الوجه والرأس والأطراف والأعضاء التناسلية. اعتداءات القوى الأمنيّة لم توفّر المصوّرين والصحافيين، كما الأسبوع الماضي، وسجّلت نحو عشر إصابات في صفوفهم بالرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، فيما أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أمس، عن محصّلة مواجهات السبت، وإصابة أكثر من 140 من عناصرها، بينها 3 إصابات بالغة.
مناطق المواجهات بدأت أمس في محيط المجلس النيابي والشوارع المؤديّة إليه لجهة الجامع العمري، لتمتدّ إلى باقي تفرعات وسط البلد وصولاً إلى الصيفي. التحطيم استمرّ في ملاحقة «بلاط» عدد من الأبنية في وسط البلد وفروع المصارف، كما واجهة محال «باتشي» التي يملكها وزير الاتصالات محمد شقير.
أمرت النيابة العامة بمصادرة هواتف عدد من الموقوفين!
الاعتقالات العشوائيّة استمرّت في ملاحقة المحتجّين، فيما لم تصدر أي نتيجة عن التحقيقات الجارية بشأن انتهاكات القوى الأمنيّة، وأبرزها فيديو يظهر تعرّض موقوفين للضرب ليل السبت.
انتهاكات النيابات العامة توالت. ففيما أعلن أمس الإفراج عن جميع معتقلي السبت، بإشارة من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، أعلنت لجنة المحامين المتطوعين للدفاع عن المتظاهرين أنه «تم ترك الموقوفين رهن التحقيق لصالح شعبة المعلومات ومصادرة هواتفهم، كما حصل في تظاهرات المصارف في الحمرا يوم الثلاثاء 14 الجاري. ولدى مطالبتنا بإعادة الهواتف، أبلغتنا الضابطة العدلية أن المصادرة تستند الى إشارة من النيابة العامة التمييزية».
جهود لجنة المحامين استمرّت في متابعة المعتقلين ورصد التوقيفات والانتهاكات، وهي أعلنت في بيانها، أمس، أنها رصدت يوم السبت 43 توقيفاً، بينها اثنان بحق قاصرين، وأنه جرى «إلقاء القبض على 3 متظاهرين على مدخل الطوارئ في مستشفى الجامعة الأميركية». وبحسب اللجنة «تبيّن أن الأكثرية منهم قد تعرضوا للعنف المبرح والمفرط في ساحات التظاهر وخلال نقلهم الى ثكنة الحلو من قبل قوى مكافحة الشغب، كما داخل حرم ثكنة الحلو خلال نقلهم الى زنزانة الاحتجاز، وهو ما تم توثيقه في تسجيل نشر على وسائل التواصل الاجتماعي ونتج عنه فتح تحقيق داخلي لدى قوى الأمن الداخلي. وأفاد العديد منهم عن قيام عناصر قوى مكافحة الشغب بمعاملتهم بوحشية وشدة بعد إلقاء القبض عليهم وتوجيه العبارات المسيئة والمهينة لهم وتهديدهم بالعنف الجسدي والجنسي».
من ملف : حكم الصبيان