لم تعد الإستنسابية في تطبيق القانون هامشاً من هوامش فائض القوة في لبنان، بل صارت الجوهر الذي يتعين بدلالته تبرير اللاعدل. وفي حوادث متتابعة، ضبطت قوى الأمن الداخلي عملية بناء غرف للعناية الفائقة في مستشفيي رزق والكرنتينا لمخالفتهما “قانون الحجر”، كما أمسك التفتيش الصحي في وزارة الصحة بمستوصف جمعية الأرز الطبية في كفرصارون متلبساً بتأمين دواء “إيفرمكتين” المقطوع في الصيدليات!
إبداع في تطبيق القوانين وفرض هيبة الدولة على الأمور الطارئة، فبالنسبة لمستشفيي رزق والكرنتينا، هما يحتاجان لإذنين منفصلين من رئاسة مجلس الوزراء لبناء أمكنة لعلاج مرضى “كورونا” من الأطفال، هذا ما أوضحه عنصر قوى الأمن لمديري المستشفيين، مذكراً بأنه: “من غير المسموح تجاوز بيروقراطيات المعاملات، في ظل طوارئ مميتة كمرض “كورونا”، فهذا الموضوع ليس من صلاحياتي”.
وفي قضية متصلة، وما إن اعتبر أخصائيو الأمراض المعدية في مستشفيات لبنان الخاصة والعامة أن دواء “إيفرمكتين” من شأنه المساهمة في الحد من انتشار فيروس كورونا، حتى انقطع تماماً من السوق ومن وزارة الصحة كذلك. ويشرح المدير الطبي في “المركز الطبي للجامعة اللبنانية الأميركية – مستشفى رزق” الدكتور جورج غانم لـ”نداء الوطن” أن العلبة التي تكلف نحو 15 ألف ليرة لبنانية وتحتوي على 500 حبة تباع بالسوق السوداء “بالحبة”، والحبة تكلف المريض بين 100 و150 ألف ليرة لبنانية في حين يحتاج كل مريض الى معدل 12 إلى 24 حبة حسب الحاجة و”العيار”، وبالتالي يتكلف المريض بين المليون ومئتين والمليونين وأربعمائة الف ليرة لبنانية!”، ويتابع: “وبالرغم من الطلب العالي جداً على هذا الدواء، فهو مقطوع حتى عند المستوردين المرخص لهم باستقدام هذا الدواء، ولذلك نحن على صعيد المستشفى نعمل على استيراده مباشرة قريباً، خصوصاً بعد أن قرر المعهد الوطني للصحة الأميركي السماح لمن يريد من الأطباء بوصف دواء ivermectin لعلاج جائحة كورونا، وتم التأكيد أنه غير مؤذ لا بل آمن ومن الممكن أن ينفع. كما أكدت دراسة أسترالية أن العقار يعد علاجاً فعالاً وكلفته بسيطة”.
على المقلب الآخر، وصلت هبات متواضعة من الدواء إلى النائب السابق فادي كرم، فأوصلها إلى مستوصف جمعية الارز الطبية “المرخّصة” في كفرصارون – الكورة معلناً أن الدواء سيُسلم “مجاناً” بناء لوصفة طبية من الطبيب المعالج، مرفقة بصورة هوية الشخص المصاب وفحص pcr إيجابي، في صيدلية المستوصف المرخصة أيضاً. إلا أنه وبإيعاز من رئيس دائرة التفتيش نجيب أبو عرم، التابع سياسياً لفريق “فرنجية – حزب الله” في الوزارة تمت مداهمة المستوصف يوم أمس، بذريعة أن “القانون لا يسمح لهم بتوزيعه”، إلا أن المفاجأة كانت أنه ولكثرة المرضى وطلبات المواطنين الذين قصدوا المستوصف من مختلف المناطق اللبنانية فقراً وعوزاً، لم يكن قد تبقى إلا القليل من الحبوب. علماً أن الفريق نفسه، يتبع لرئيسة قسم التفتيش المركزي في وزارة الصحة كوليت رعيدي، التي عينها بدل الدكتورة ميسلون قانصوه، قد سهّل دخول الدواء الإيراني إلى لبنان من دون تطبيق القانون، ومن دون تحاليل مخبرية ولا إجراء أبحاث وعلى “حساب صحتنا” بإيعاز من الوزير. لم “يستفق” التفتيش إلا على توقيف مساعدة الناس أما “المستودعات التي تخزن وتهرّب الأدوية” فتعيث في لبنان فساداً ولا من حسيب يستقصي ولا رقيب يلاحق.. ولا يرى المريض من السلطة التفتيشية إلا التسلط.
وفي هذا الإطار يقول النائب السابق فادي كرم لـ”نداء الوطن” أنه قد صُعق لتصرّف الوزارة في هكذا وضع طارئ، وكان هدفه أن يكون طرفاً مؤثراً يساعد المرضى على التصدي للسوق السوداء التي تربح الملايين من ابتزاز المرضى واستغلال ذويهم بدل ابقائهم حبيسي الحاجة. فالانتصار على “كورونا” لن يكون ممكناً وناجعاً من دون توحيد طاقات الجمعيات والفاعلين والمستشفيات والمجتمع، وليس بتطبيق القانون على من يريد المساعدة في حين يُترك الخارج عن القانون فعلاً لأهواء أحزابهم ومصالحها”.