IMLebanon

تهويل أميركي: رئيس توافقي أو الفوضى

 

حذّر دبلوماسيون أميركيون من أن القرار الإقليمي بالمحافظة على إستقرار لبنان لم يعد قائماً، ومن أن فشل طاولة الحوار في حل الملف الرئاسي «قد يذهب بالبلد الى الفوضى». فهل يعكس هذا التهويل موقفاً أميركياً جدياً أم أنه يهدف حصراً للضغط على حزب الله لتقديم تنازلات في الملف الرئاسي؟

لا يعرِف أحد بالتحديد طبيعة موقف الإدارة الأميركية ممّا يحصل في لبنان منذ أسابيع. بين التشرذم السياسي وضبابية الحراك الشعبي، تفضّل واشنطن إسداء النصائح بدلاً من إعطاء المواقف. ورغم أن السفير الأميركي ديفيد هيل، ورؤساءه في الخارجية لا يعوّلون كثيراً على نتائج «عجائبية» من طاولة الحوار، باستثناء الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار، فإن ديبلوماسيين أميركيين آخرين تحدّثوا أخيراً بلغة تهويلية، مفادها أن الحوار الذي يرعاه الرئيس نبيه برّي هو «آخر الدواء: فإما أن ينتج رئيساً للجمهورية وإما أن يذهب البلد إلى الفوضى».

والأهم بين هذه الرسائل، كما تنقل مصادر عن ديبلوماسيين أميركيين، أن «القرار الإقليمي بالحفاظ على الإستقرار في لبنان لم يعد قائماً. والتفجير سيكون نتيجة حتمية لفشل الحوار». هذا الكلام التهويلي يصدر رغم أن أداء هيل وكلامه يُظهران أن لديه قناعة بأن ما يحول دون تدحرج الأوضاع في البلاد نحو الانفلات الامني هو تثبيت الحكومة وإقلاعها في العمل. كما أن سفير واشنطن يعوّل على استمرار انعقاد طاولة الحوار بحد ذاتها، كضامن للاستقرار.

استشعر الأميركيون خطر الأزمة التي انطلقت بين الشارع والحكومة، وسرعان ما كثّفوا اجتماعاتهم بشخصيات سياسية لبنانية من باب «جمع المعطيات والتنبيه من تحديات المرحلة». وهم عبّروا عن استياء واشنطن من القوى اللبنانية التي تملك «قناعة غير مفهومة» بأن «هناك فاكساً دولياً سيصل خلال أسبوعين ليفرض قراراً رئاسياً». ومع تأييدهم لطاولة الحوار الأخيرة، استغربوا تصرّف القوى السياسية المشاركة فيه، إذ إن «كل طرف يتصرّف على هواه في انتظار القرار الخارجي. وفي الوقت الضائع يزايد كل طرف في شارعه».

يسأل الأميركيون عن موقف حزب الله: هل سيقدّم تسهيلات «رئاسية» لضبط الشارع؟

المصادر المطلّعة على أجواء الإجتماعات التي يعقدها الديبلوماسيون الأميركيون مع شخصيات لبنانية، تؤكّد أن «الولايات المتحدة تريد من القوى السياسية الذهاب نحو اتفاق رئاسي يعالج فشل الحكومة والمؤسسات». وتضيف أن الأميركيين يشيرون الى «حلّين لا ثالث لهما في مواجهة النار المشتعلة في الشارع منذ شهر: إما نفض النظام، وهو حلّ بعيد المدى. وإما نجاح الحوار في انتاج رئيس، لن نفرضه نحن ولا أي من الدول الإقليمية». وتنقل المصادر عنهم توجسهم من فشل الحوار، «لأن ذلك يعني أنكم ذاهبون إلى عدم استقرار إقتصادي، وحلقة سياسية مفرغة، وفوضى خطيرة لا قدرة لنا أصلاً على التدخل لحمايتكم منها».

وترسم المصادر صورة قاتمة عن الأشهر القليلة المقبلة إنطلاقاً من إشارات أطلقها الدبلوماسيون الأميركيون، إذ عبّر هؤلاء بـ «صراحة مطلقة عن أن لبنان لم يعُد أولوية، شأنه شأن سوريا التي خصّصنا برنامجاً بـ 500 مليون دولار لتدريب مقاتلين معتدلين فيها لم يثمر إلا أربعة أو خمسة مقاتلين في مواجهة تنظيم داعش». أضف إلى ذلك، مشكلة «أوروبا التي تواجه سيلاً من اللاجئين السوريين، الأمر الذي يجعل لبنان في موقف أضعف، لأن مشكلة النازحين لم تعُد ورقة يُمكن أن يضغط بها على المجتمع الدولي، بعدما باتت هذه الأزمة تهدّد دولاً كبرى». في الخلاصة، الولايات المتحدة تتجه اليوم الى تجميد كل تدخل «ذي كلفة عالية وعائدات قليلة»، وهو ما يبدو جلياً في شبه التسليم بالدور الروسي السياسي والعسكري في سوريا.

لكن ماذا عن الحراك الشعبي، وما هي نظرة «راعية الديمقراطية والحرية في الشرق الأوسط» إليه؟

تجيب المصادر أن «توجه الإدارة الأميركية نحو تبنّي شعارات الشعوب بالطريقة التي تخدم مصالحها السياسية لم يعد قائماً، وحلّ مكانه شعار الحرب على الإرهاب»، لكنّ هذا الأمر، بحسب المصادر نفسها، لم يثن الأميركيين عن الاشارة الى أن «فرص استمرار الحراك أكثر من فرص فرطه لأن فشل الدولة يغذّيه». وهم طرحوا على من التقوهم من المسؤولين اللبنانيين سؤالاً أساسياً: ما هو موقف حزب الله من الحراك، وهل سيسمح بدخول البلد في فوضى تؤثر في أدائه في سوريا، أم يقرر أن يكون براغماتياً فيعمد إلى تقديم تسهيلات لضبط الشارع؟