بعد طول انتظار وترقّب تخللهما إتصالات ومشاورات وحسابات الربح والخسارة بين كل الأطراف وامتدا قرابة الثلاثة أشهر باستثناء جلسة ترحيل النفايات اليتيمة دعا رئيس مجلس الوزراء المجلس إلى الإنعقاد يوم الخميس، وعلى جدول أعماله أكثر من 140 بنداً تراكمت في جوارير الأمانة العامة للمجلس بسبب التعطيل الذي تعمّده فريق داخل الحكومة لأغراض محض سياسية لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بالأصوات التي ترتفع كلما ألمح الرئيس تمام سلام برغبته في دعوة مجلس الوزراء إلى الاجتماع للبتّ في القضايا الملحّة والمتراكمة بهدف تسيير عجلة الدولة ومؤسساتها وإيقاف النزف في كل المرافق الاقتصادية والاجتماعية، وحتى الأمنية التي طمأن وزير الداخلية مؤخراً إلى أنها بألف خير لأن الأمن ممسوك من قبل الأجهزة المعنية.
مما لا شك فيه أنه سبق هذه الدعوة اتصالات ومشاورات بين مختلف القيادات السياسية المعنية قادها الرئيس سلام ورعاها بقوة رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي تحدث أكثر من مرّة للرأي العام عن ضرورة تفعيل عمل الحكومة السلامية ما دامت الاتصالات في شأن إنتخاب رئيس الجمهورية متعثّرة أو أنها تعثّرت نتيجة التطورات التي تعيشها المنطقة والمواجهة التي تشهدها بين إيران والمملكة العربية السعودية بعد إعدام الشيخ الشيعي نمر النمر بعد صدور حكم الإعدام عن المحاكم السعودية المختصة لضلوعه في أعمال تهديد أمن المملكة، وقد تكون هذه الاتصالات أفضت إلى تفاهم بين القوى السياسية المعنية على ضرورة تفعيل عمل الحكومة، بانتظار إما أن تتوضح الصورة في الإقليم، وتعود العلاقات إلى طبيعتها بين المملكة وإيران الممسكتين بمفتاح الاستحقاق الرئاسي، والقادرتين وحدهما كما أجمعت مختلف آراء اللبنانيين وقياداتهم على فتح الباب أمام التسوية المقترحة وربما أمام تسوية جديدة ضمن سلّة متكاملة كما يريد حزب الله أو من دون سلّة كما يريد زعيم تيّار المستقبل الرئيس سعد الحريري، وإما أن تبقى الأمور تسير من سيّئ إلى أسوأ ومن تعقيد إلى مزيد من التعقيد مما يُبقي الاستحقاق الرئاسي في أول النفق المظلم، وعندها يصبح تفعيل عمل الحكومة أمراً مُلزماً لكل الأطراف لكي يبقى البلد (واقف على رجليه)، كما يقول المثل اللبناني الدارج إلى أن تصبح الظروف الإقليمية متاحة أمام القيادات اللبنانية للاتفاق على تسوية تاريخية تُنتج رئيساً للجمهورية وتستعيد عجلة الدولة المتوقفة لهذا السبب دورانها.
ما تسرّب حتى الساعة من معلومات عن إتصالات رئيسي الحكومة ومجلس النواب، تُشير إلى أن حزب الله رحّب بهذه الدعوة، وأبدى كل استعداد لدعم أي خطوة في اتجاه تفعيل عمل الحكومة، طالما أن أفق الاستحقاق الرئاسي ما زال مسدوداً لارتباطه الوثيق بالعوامل الإقليمية وتطوراتها، لكنه لم يُسمع بعد منه أي كلام إيجابي عن موقف حليفه رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون من هذه الدعوة، وما إذا كان قد تخلى عن شروطه المعروفة التي أدّت إلى تعطيل وشلّ الحكومة طيلة هذه المدة، وهل لا يزال عند شروطه مما يعني أن الجلسة التي دعا إليها رئيس مجلس الوزراء قد لا تُعقد وإذا عُقدت قد لا تُنتج وإن كان حرص على عدم إدراج أي موضوع أو بند يُثير خلافاً أو هو موضوع خلافي على جدول أعمال الجلسة المقترحة يوم الخميس المقبل.
لا مؤشر حتى الساعة يدل على أن رئيس تكتل التغيير والإصلاح بدّل في مواقفه السابقة التي أدت إلى تعطيل الحكومة بدلاً من تفعيل عملها، ولا شيء يدل على أن حزب الله على استعداد للضغط على حليفه حتى يغيّر أو يبدّل موقفه ويسهّل عمل الحكومة المعطّلة منذ أشهر، كما لا شيء في الأفق الإقليمي يؤشر إلى تبدّل في الخطط والمشاريع وحتى في المواقف مما يحصل في المنطقة من العراق واليمن امتداداً إلى سوريا ولبنان، بل إن العكس هو الصحيح، ما يعني أن الخطر ما زال يحاصر دعوة رئيس الحكومة إلى انعقاد مجلس الوزراء، وما يعني أن ما يحلم به اللبنانيون من حصول إنفراجات داخلية أو عمل جدّي لتحييد لبنان عما يجري في المنطقة سيبقى مجرّد أحلام لا وجود لها في عالم اليقظة.