في كلّ مرّة كان يقرأ فيها مروان حمادة إسم «ميشال عون»، كان العونيون المتجمهرون أمام المبنى المركزي للتيار الوطنيّ الحرّ في سن الفيل يحتسبون الأصوات وراءه، إنطلقوا من الرقم واحد وصولاً إلى 83، وهو عدد الأصوات التي نالها العماد ميشال عون في الدورة الثانية من جلسة انتخاب رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة بعد سنتين ونيف من الفراغ.
العماد الذي أُقصي عن القصر بعمليّة عسكريّة وصفها بذلّ الرابحين، عاد إليه، أمس، بعد 26 عاماً، بديموقراطيّة الانتخاب، منتصراً مُكرّماً. إنه القدر الذي أعاد الحق لأصحابه، وأنصف من نفي واضطهد وشوّهت سمعته ولكنّه صمد مع شعبه، إنه العماد الذي خسر معارك ولكنه انتصر في النهاية. دخل الرئيس ميشال عون قصر بعبدا على وقع 21 طلقة مدفعيّة أطلقها الحرس الجمهوري ترحيباً واحتفالاً به، وجلس على كرسي الرئاسة الأولى لالتقاط الصورة الرسميّة الأولى في العهد الجديد، قبل أن يوقّع المرسوم الأوّل من عهده الذي نعى فيه حكومة تمام سلام، فتحوّلت حكماً إلى تصريف الأعمال كما ينصّ الدستور.
هذه الوقائع القليلة التي لم تستغرق أكثر من أربع ساعات، مرّت دهراً على العونيين القابعين على الطرقات منذ الصباح الباكر. البداية من كسروان التي سلّمت الأمانة إلى بعبدا بعد 11 عاماً. استيقظ عونيوها باكراً، تجمهر شباب فتوح كسروان على الأوتوستراد الساحلي منذ السادسة صباحاً لتوزيع صور «فخامة الرئيس»، ومنشور النشيد الوطني اللبناني على المارة، قبل أن يعودوا إلى العقيبة لمواكبة الجلسة الإنتخابيّة والاحتفاء بالنصر بالحفلات الموسيقيّة. أمّا الضيع والبلدات الكسروانيّة الأخرى فقد احتفلت كلّ على طريقتها، الشاشات العملاقة افترشت ساحاتها في انتظار الإعلان المنتظر الذي ترافق مع إطلاق المفرقعات الناريّة وتقديم البقلاوة وذبح الأضاحي والدبكة، واختتمت بحفلات موسيقية أمام مركز هيئة القضاء في جونية.
وقائع الجلسة مرّت دهراً على العونيين القابعين على الطرقات منذ الصباح الباكر
لا تختلف الأجواء كثيراً في حارة حريك، البلدة الفقيرة التي تحوّلت في غضون يوم واحد إلى «البلدة الأولى». هناك جلس الأهالي في ساحة كنيسة مار يوسف منذ العاشرة صباحاً، في انتظار إنتهاء الجلسة التي أعلنت ابنهم رئيساً للجمهوريّة، فامتزجت عندها أصوات الأجراس مع أصوات الآذان وصور العماد والسيد احتفالاً بعودة الجمهوريّة التي حكمها الفراغ منذ عقدين ونيف. شقيقة الرئيس كانت أولى الحاضرين، انتظرت النتيجة مع عونيي الحارة وبعبدا ورفاق الصبا، على وقع الصلوات والأغاني العونيّة والوطنيّة، التي لم تقطعها إلّا وقائع الجلسة التي امتدّت لأكثر من ساعتين، حتى طيف «أبو نعيم» رفيق المناضلين كان حاضراً، فهؤلاء لم ينسوه بل توجّهوا إلى ضريحه لوضع أكليل الورد، قبل أن تبدأ الاحتفالات والمواكب السيّارة وصولاً إلى طريق القصر لاستقبال الرئيس على وقع زموره الشهير الذي اضطهدوا لأجله أعواماً.
المشهد نفسه في مركزيّة التيار. حضر شباب الجامعات واللجان المركزيّة والناشطون من مختلف المناطق، توجّهوا إلى بيتهم للاحتفال بأبيهم الذي بات، منذ أمس، «بيّ الكلّ». هناك الاحتفالات بدأت قبل إعلان النتيجة، ولم تتوقّف إلّا مع بدء الجلسة التي استنزفت طاقاتهم، قبل أن تهلّل الوجوة المترقبة فرحاً بعد أربع عمليات اقتراع متتالية، بفعل «ولدنة» أحد النواب الذي أصرّ على الاقتراع بظرفين، كما وصفه العونيون، و»مداخلات سامي الجميل»، التي عاد وأنهاها الرئيس برّي بإلزام النواب الاقتراع لميشال عون وقوفاً، قبل إعلان فوزه وتلاوته قسم حماية الدستور وخطاب بناء الدولة القويّة.
فرحة العونيين، أمس، لا تشبه أي فرحة سابقة لهم، إنها فرحة العودة الثانية التي تخطّت أشواطاً فرحتهم في يوم العودة الأولى في أيار 2005. أمس بكوا دموع الفرح. أخيراً عاشوا الحلم الذي طال. أمس حوّل عمادهم الرقم 13 الذي سطّر الذكرى الأقسى بتاريخهم (ذكرى 13 تشرين) إلى رقم الأمل بعد أن أصبح الرئيس الثالث عشر للجمهوريّة الموعودين ببنائها في عهده.
بعضهم اعتبر أن نضاله انتهى بعودة العماد إلى بعبدا التي دخلها مع دمعة في عينيه، لكن الرئيس سرعان ما مسحها ليطلق نشاط عهده، وناداهم مجدّداً معلناً اليوم بدء العمل للنهوض بالدولة. 31 تشرين الأول يوم تاريخي في مسيرة «جيل عون»، وهو مجرّد البداية فقط.