Site icon IMLebanon

منام

رأيتُ في منامي، ليلة أمس، أحلاماً وأضغاثاً وكوابيس متعددة، يتداخل فيها المعقول باللامعقول، الأبيض بالأسود، والملوّن بالرمادي، وكان صراخ العدم يمتزج بالألوان كلّها. لم أعرف في أيّ مكانٍ أنا، ولا في أيّ زمان. جلّ ما عرفتُه أنني كنتُ أرتعد تحت تأثير نزلة البرد والرشح الخطيرة التي ألمّت بي منذ الإثنين الماضي، وجعلتني على شفا من كلّ شيء.

لم يكن مناماً عادياً، كالذي يقفز عادةً من أعماق النوم ليُلامس شواطئ ضامرة من الوعي، فيتذكّر منه المرء ومضاً بارقاً. كان ذلك، والحقّ يقال، خلاصة هلوسات الحمّى، التي لا يُعتَدّ بها في علم نفس الأحلام، وقد وجدتُ أن أروي للقرّاء مشاهد مما تراءى لي أنه ينتمي إلى أشواق الوعي المكبوت أو غرائب السورياليات.

رأيتُ رهطاً من الموتى يختلطون بالأحياء (مَن الموتى ومَن الأحياء؟)، والحيوانات الضارية ترتدي ثياب الحملان. بدا لي أن الحياة الوطنية قد عادت تدريجاً إلى البلاد، وأن النوّاب تمكنوا أخيراً، من انتخاب رئيس للجمهورية. حاولتُ أن أعرف كيف تمّ ذلك، ومَن أقنع هؤلاء النوّاب، ثمّ حاولت أن أعرف مَن هو الرئيس المحظوظ، لكنني لم أنل جواباً. ثمّ رأيتُني أنتقل إلى مكان آخر، لأكتشف أن حكومةً جديدةً تألّفت، من غير أن أتمكن من معرفة اسم رئيسها والأعضاء. وقد مثُلت الحكومة الجديدة أمام المجلس ونالت ثقته بأكثرية ساحقة، بعد جلسة مناقشات لائقة تذكّر بالديموقراطيات العريقة.

من عادة المنامات أن تنتهي برمشة عين، لكن منامي هذا امتدّ واستطال، ليتبيّن لي خلاله أن مجلس النواب يعقد جلسات ماراتونية متواصلة، وهو على وشك التوصل إلى قانون عصري جديد للانتخاب، يأخذ في الاعتبار هواجس الجماعات ويلبّي حاجات التمثيل الديموقراطي، ويسهّل التخلّص من البوسطات والمحادل الانتخابية. لم يكن ظاهراً في المنام أيّ قانون سيرسو على برّ المجلس، لكن الاطمئنان النحاسي الذي كان يخيّم على وجوه النوّاب، ملأني بحالٍ من الحبور وجعلني أستشعر الخير العميم.

ثمّ، يا لغرابة ما رأيتُ! رأيتُني أقف على سريري متراقصاً وأنا أصفّق مذهولاً. رأيتُ شوارع نظيفة تماماً من أيّ أثرٍ للقمامة. معقول؟! صدِّقوني. لا أعرف كيف اجتمع هذا كلّه على التوالي، وكأنني أشهد حفلاً قيامياً لبنانياً على طريقة الأبوكاليبس. ففي تلك اللحظة بالذات، وبينما كنتُ أستعدّ لمعاينة هلوسات لامعقولة أخرى، أيقظني قتالٌ رهيبٌ بين هرّتين، في أسفل البناية، حيث تُشقَع أكياس النفايات، لأكتشف أن لا شيء حقيقياً مما رأيتُ، وأن زبالة السياسة لا تزال في كلّ مكان.