يبرز قدر من العتب ولوم الحلفاء في كلام الرئيس سعد الحريري أمس عمن لم يلتزموا منهم التصويت للائحة “البيارتة” التي شاركوا فيها. وبقدر العتب كان حكيماً في توجهه إلى من صوّتوا للائحة “بيروت مدينتي”، قائلاً لهم “إنكم تشبهون أحلامنا وطموحاتنا”.
ربما لم تسنح لمساعدي الرئيس الحريري خلال انهماكهم في إدارة المعركة الانتخابية وتنظيمها الاطلاع على خفايا التصويت في مناطق أعطت نسباً عالية للائحة المنافسة في مناطق ذات غالبية مسيحية من بيروت، كما في مناطق أخرى مختلطة ترتفع فيها أعداد العلمانيين. وربما لم يطلعهم الحلفاء على حقيقة ما واجهوا وفوجئوا به يوم الإقتراع. والحال إن نوعاً من “ثورة على الأحزاب، كل الأحزاب” سرت قبل أيام كالنار في الهشيم في أوساط شبابية، خصوصاً بين من يقترعون للمرة الأولى تحت عنوان إنها فرصة سانحة للتعبير عن الرأي والمحاسبة والتغيير. شباب أقنعوا أهلهم وصار بعضهم يجيّش بعضاً عبر وسائط اتصال اجتماعي مفتوحة. جيش غير مرئي من مندوبين وراء شاشات الكمبيوتر وبالهواتف النقالة أخطر وأفعل من المندوبين موزعي اللوائح عند مداخل أقلام الإقتراع ، وحماسة عند مغتربين في دول الشرق والغرب ربما أكثر من المقيمين، وتحريض متبادل لفعل شيء ما. في أذهان هؤلاء الشباب أن السلطة هي السلطة سواء أكانت مجلس وزراء أم مجلساً بلدياً. ولسوء حظ لائحة “البيارتة” وسط هذه البيئة أنها منظور إليها باعتبارها نسخة من الحكومة الحالية، وليس فقط بعدد أعضاء كل من المجلس البلدي والمجلس الوزاري (24) وتوزعهم طائفياً مناصفة ومذهبياً. ولسوء حظهم أيضاً أن الانتخابات البلدية حل موعدها بعد ثمانية أشهر كفر خلالها الناس من مشاهد تراكم النفايات وروائحها المنبعثة في أجواء المدينة والبلدات والقرى. وعلى غرار مجلس الوزراء تألفت اللائحة من ممثلي أحزاب تشارك جميعاً، مباشرة أو مداورة عبر حلفاء، في الحكومة الحالية السيئة السمعة والتي صارت حكومة الفضائح المجلجلة، وحاملة المسؤولية في عيون الشباب عن تردي أوضاع وطنهم في كل المستويات كما عن انعدام فرص العمل أمامهم بعد تخرجهم، وأيضاً عن سد الآفاق أمامهم، وخنق الأحلام والطموحات التي تحدث عنها الرئيس الحريري بعدما أزهرت في 14 آذار 2005 وحاولت استعادة الروح في “حراك مدني” وما لبث أن قضت عليها الفوضى وقلة الخبرة والعجز، قبالة جبروت القوى السياسية والطائفية المتجذرة.
أما المناصفة في المجلس البلدي فبدا أن للشباب الذي اندفع للتصويت في اتجاه معاكس لـ”السلطة” نظرة مختلفة إليها عن نظرة الأحزاب: “ما الفارق بين فاسد مسلم وفاسد مسيحي؟” كان يقول بعضهم لبعض يوم الإنتخابات. لم يكن نادراً وسط هذا الجو المحموم أن ترى أو تسمع مسؤولاً حزبياً يقرّ بعد مناقشات حامية بعجزه عن حمل المحازبين والأصدقاء على التصويت للائحة “البيارتة”. وصل بعضهم إلى ترجيهم انتخاب المرشحين المحسوبين على الحزب أقله في تلك اللائحة، ولكن عبثاً.
نعم لولا الأرمن الذين لا يناقشون كثيراً قيادة الطاشناق والهنشاق لكانت نسبة المصوّتين لـ”بيروت مدينتي” أعلى بكثير في المناطق ذات الغالبية المسيحية من بيروت. ونعم، ما حصل ليس أقل من ثورة شبابية داخل الأحزاب على القيادات الحزبية ويجب أن تخضع لدرس وورش عمل لتلمس أبعادها. ونعم، لم يكن لدى القادة الحزبيين ما يقولونه حيال الموجة العارمة التي واجهتهم أكثر مما قال رئيس حزب “القوات” سمير جعجع الذي أقرّ في كلمته المتلفزة بأن المجلس البلدي السابق كان فاشلاً، لكنه دعا أنصاره والمواطنين إلى انتخاب مجلس بلدي مثيل للسابق، يقوم على الأسس نفسها وتشكل بالطريقة ذاتها وبوجوه بعيدة عن الناس ، ومحاسبته بعد ست سنوات إذا فشل. ست سنوات كثير!
لم ينجُ حزب من الأحزاب المسيحية من الهزيمة في بيروت على أيدي محازبيه. “التيار الوطني الحر” تنازع محازبوه علناً على الطرق. حزب الكتائب لعلّه في نزاع أكبر بينه وبين نفسه. والحديث يطول.