استوقفني ما كتب رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط عبر حسابه على «تويتر» قائلاً: «في العام المقبل مئوية لبنان الكبير. لكن التحديات لوجوده تكبر يوماً بعد يوم لأن الموازين السياسية والاقتصادية المحيطة وفي الداخل تجعل من حلم الاستقلال والسيادة والازدهار يضمحل، اللهم إذا ما حدثت معجزة لكنني لست من الذين يؤمنون بالتبصير أو تفسير الأحلام لذلك أنظر بحزن الى أحلام ترحل».
إنها من المرات، غير الكثيرة، التي أجد ما كتبه الوزير السابق النائب السابق وليد جنبلاط يعبّر تماماً عن مشاعري، كي لا أقول عن اقتناعاتي. وفي تقديري أنه يعبّر عن جيلنا، نحن المخضرمين، الذين كُتب لنا أن نعايش لبنانيين: اللبنان الذي كان واللبنان الذي صار بعد انتهاء الحرب. ولعلْي أذهب أبعد من وليد بك في الأسى والأسف وحتى الحزن على ذلك اللبنان… أذهب الى حدّ الادعاء أنّه حتى زمن الحرب، ومآسيها وفواجعها، كان الوضع أفضل. أقلّه من زاوية الأمل. كان عندنا أمل بأنّ ذاك الجنون سينتهي لينبثق من تحت الأنقاض «طائر الفينيق» (إياه… كما في الأسطورة) أكثر قوة وأشدّ بهاءً.
ولكن من أسف حطّت الحرب رحالها ليس لتذهب هي الى صفحات التاريخ، بل ليذهب ذاك اللبنان مع فقدان الأمل في عودته. وأبادر الى القول إن لبنان ما قبل الحرب لم يكن مطمحنا ولا محط أمنياتنا والطموحات، إلاّ أنه كان الأفضل بما لا يقاس بهذا النموذج الهجين (وأكاد أقول المسخ) الذي فرضوه علينا بخلفية الأحقاد والبغضاء والانتقام من الموارنة الذين كانت لهم الكلمة الفاعلة في القرارات وبالتالي لم يكن الهمّ كيف نبني وطناً رائداً مزدهراً متطوراً مواكباً العصر كما كان لبنان في زمن ما يسمونه السياسية المارونية… إنما كان الهدف والغاية جلّ الطموح إسقاط الدور المسيحي…
… وأعترف لهم بأنهم حققوا غايتهم من خلال «تشليح» رئيس الجمهورية (الماروني) صلاحياته. ولكن فاتهم أن إسقاط الدور المسيحي هو إسقاط دور لبنان وتحويله بلد برؤوس عديدة والى تابع تارة الى دول مجاورة وطوراًَ الى دول إقليمية وحتى الى منظمات.
غاب الدور ـ فـ«غاب» لبنان. وسيبقى غيابه، بل ستتضاعف تداعيات هذا الغياب كلّ يوم. ومع أن الرئيس العماد ميشال عون يسعى جاهداً لاستعادة بعض من الدور (وقد نجح في ذلك الى حدٍ ملحوظ) فإن الأمر يحتاج الى تعديلات يُقال إن فكرة الأخذ بها بدأت تنضج في الأوساط غير المسيحية.
وما لم يحصل ذلك فإن «التحديات لوجود لبنان الكبير» التي تحدث عنها جنبلاط ستزداد وعندئذ ليس فقط لن يبقى لبنان الكبير في الشكل، بل أيضاً لن يبقى كبيراً في المضمون.
ومن قد يفاجئه هذا القول فليبحث عما يجري بعيداً عن الأضواء (…).