IMLebanon

حنا السكران

 

رحم الله الأخوين رحباني وحفظ لؤلؤتهما الوضّاحة السيدة فيروز، الثلاثي الذي أتحفنا بكل رائع وجميل. لم يَفُتْهم شيءٌ من معالم ذلك الزمن الجميل الذي أضفوا عليه مزيداً من الجمال، إلا تناولوه في أعمالهم الخالدة ومنها رائعتهم «حنا السكران».

 

قد استعدتُ هذا العمل في مناسبة ما يُسمى تجاوزاً بـ»خميس السكارى» الذي مرّ قبل يومَين في أسبوع ذكرى الموتى، الذي يسبق عند فريقٍ من المسيحيين صوم الخمسين يوماً الكبير، ليحلّ عيد القيامة، أو عيد الفصح المجيد، المعروف بالعيد الكبير.

 

اللافت أن تعبير «خميس السكارى» هو تحريف لـ»خميس الذكارى» نسبةً إلى الذكرى، فيُقيم المؤمنون الصلوات عن أنفس أحبائهم الذين رحلوا إلى دنيا الخلود.

 

وإذا كان «خميس السكارى» قد تحوّل إلى مناسبة فلكلورية يُقبل فيها الناس على الشرب حتى السكر (وهذا طبعاً ليس له علاقة بالدين وموجباته)، ويستهلكون اللحوم في هذا الأسبوع الذي هو أيضاً أسبوع المرافع، فلأنهم كانوا يُرفقون الصيام بـ»قطع الزَفَر»، وتحديداً بالانقطاع عن أكل اللحوم.

 

من أسفٍ أن اللبنانيين جميعاً اليوم كأنهم في «خميس سكارى» دائم. ليس لأنهم يستهلكون الكحول، وقد باتت أثمانها فوق قدرتهم الشرائية، إنما لأنهم «مضروبون على رؤوسهم» بمطرقات الحياة الصعبة، بل المستعصية جرّاء الأزمات المتناسلة التي ترمي بأثقالها الهائلة على كواهلهم المُرهقة والواهنة والعاجزة.

 

فهناك المطرقة المالية، والمطرقة الاقتصادية، ومطرقة صعوبة تأمين التكاليف والمستلزمات اليومية، ومطرقة الأمن المهزوز، ومطرقة الكهرباء المقطوعة، ومطرقة الدولار الذي يُسابق الريح صعوداً، ومطرقة السلطة العاجزة، ومطرقة تعذّر تشكيل الحكومة الذي يتعقّد يومياً، الخ… لتأتي مطرقة فيروس كوفيد-19 فتزيد في طين دوخة الناس بلّةً.

 

كلنا حنا سكران من دون أن نشمّ حتى رائحة الكحول. مع فارق أننا كنا نستمع إلى «سكتش» الرحابنة فنضحك… أما اليوم، فننظر إلى حالنا والآخرين، فنبكي!

 

فمتى يأتي الفرج؟

 

متى نستيقظ من هذه «الدويخة»؟

 

وهل ثمة أمل؟

 

نحن لا نطلب عودةً مستحيلة إلى لبنان الجميل الذي كان، إنما نتوق إلى حدٍ أدنى من أشكال الدولة القادرة على أن تُواجه متطلّبات شعبها الراسخ تحت خط الفقر، ولا نذهب أبعد فنطلب منها أن تحل الأزمات المُتراكمة.

 

هل ولّى زمن الأعاجيب؟

 

أصلاً، هل بات الحد الأدنى من واجبات الدولة بمثابة المعجزة؟

 

… وكاسَك يا وطن!