IMLebanon

قرّر شربل نزع وصمة “الشب الأزعر” عنه… فساعدوه

 

إنتكاسة المدمن المتعافي مسؤولية القوانين والمجتمع

 

 

من كأس كحول احتساها ثمّ سيجارة “حشيشة” دخّنها، الى مدمن انقلبت حياته رأساً على عقب. أخطاء كثيرة اقترفها “شربل” وهو يحاول الهروب من مشاكله، لكنه “عَلِق” ولم يجد طوال خمسة عشر عاماً “مخرجاً” لإدمانه. وها هو اليوم نزيلٌ في مركزٍ لإعادة التأهيل على أمل أن يخرج منه ذات يوم قريب بطلاً منتصراً على المخدرات لا “مجرماً” يرجمه مجتمعه وينبذه!

 

كان شربل مراهقاً وفي مرحلة اختبار الحياة، حين تغيّر سلوك والده معه ما أجبره على ترك المدرسة، فأصبح الشارع مدرسته وملعبه ومتنفّسه في آن. هناك، في الشارع – المدرسة، تعرّف المراهق على أصدقاء السوء وبدأت رحلته مع الممنوعات من الكحول الى الحشيش فالحبوب المخدرة ثمّ الكوكايين وصولاً الى الهيرويين. دخل في دوامة ظنّ أن لا مخرج له منها. إمتهن السرقة وترويج المخدرات لتأمين ما يحتاجه من “البودرة البيضاء” للاستعمال الشخصي، قُبض عليه وكان السجن عقابه. وبعد خروجه من السجن، حدثت “قدرة إلهية”، كما يصفها، جعلته يلتقي مدمناً سابقاً أنهى فترة إعادة تأهيله في مركز “قرية الإنسان” التابع لجمعية “سعادة السماء” للأب مجدي علاوي في بلدة المعيصرة – نهر ابراهيم، فنصحه بالتوجه الى هناك. في البداية، لم يأخذ الموضوع على محمل الجد، لا سيما أنّ كل محاولات علاجه في المستشفى باءت بالفشل. وذات يوم من العام 2010، قرر شربل نزع صفة “الشب الأزعر”، التي وُصم بها، عنه. وبدأت مسيرته العلاجية.

 

“وجعي سبب إدماني”

 

يشاركنا شربل قصته. هو اليوم قد أصبح في بدايات العقد الخامس من عمره ولا يخجل من الكشف عن ماضيه “الأسود” ويقول: “وجعي سبب إدماني. كنت الحلقة الأضعف في المنزل، ظننت أنّ المخدرات هي الحلّ الأنسب للتخلص من مشاكلي وأنّ باستطاعتي التوقف عنها متى شئت. لكن جرعة واحدة لا تكفي وآلاف الجرعات لا تُشبع. لم أنجح في التخلّص من إدماني على الرغم من برامج التأهيل المتعددة التي خضعت لها. وكنتُ في كل مرّة أخرج فيها من مركز “قرية الإنسان” أعود لأنتكس من جديد لسببين: الأول هو النقطة السوداء على سجلي العدلي (على الرغم من إنهائي البرنامج التأهيلي). وهذا ما منعني من العمل في “شركة أمن” بعد اجتيازي دورة تدريبية بنجاح، ما يؤهلني للوظيفة الجديدة التي كنت أعول عليها كثيراً بهدف تأمين راتب يساعدني على إكمال حياتي في شكل طبيعي. والثاني: لثقتي بأنني “قبضاي”، لا أحتاج الى الإلتزام بتوصيات المرشدين في المركز، في وقت كنتُ فيه في أشدّ الحاجة للعناية والمتابعة وهكذا عدتُ، الى السرقة والترويج، ورأيتُ حياتي “تتدمّر” أمامي بالكامل. كل ذلك حصل قبل العام 2014. حينها قررتُ أن اكون صادقاً تجاه نفسي وأن أعاود العلاج بكل شفافية لأتغلب على مصاعبي في الحياة”.

 

…وهذا ما حدث. أنهى شربل فترة تأهيله بنجاح في العام 2015 بعد جهد جهيد ومعاناة وتعب وأوجاع نفسية وجسدية على حدّ سواء. قرر الشاب الباحث عن “عمرٍ جديد” أن يولد من جديد وأن يسلّم حياته للرب. أمّن له الأب علاوي عملاً في أحد المراكز التابعة له، فجمع المال وتمكن من شراء سيارة وأصبح حسن السلوك والتزم بكل توصيات المرشدين. التقى بعدها شريكة عمره ولم يخفِ عنها قصته مع الإدمان. صارحها بكلِ شيء وقرر أن يؤسس معها مستقبلا فيه “نور” فتزوجا منذ عامين، إلّا أنّ “الحب” لم يبعد عنه لعنة المخدرات. فبعد فترة، ترك شربل عمله في المركز بسبب الضرر النفسي والتعب الجسدي الذي لحق به ولم يعد قادراً على تحمل “خرمة المدمنين” (النوبات التي يشعر بها المدمن في خلال العلاج) والبروتوكولات التي تُتبع في سياق إعادة التأهيل، ولا سيما أنّها كانت تذكره بكلِّ ما مرّ فيه من آلام وعلاجات. وما زاد الطين بلّة، وفاة والد زوجته أمام عينيه ومن ثمّ وفاة والده، اضافةً الى الصعوبات المعيشية الكثيرة، المتتالية، نتيجة الأزمة الاقتصادية في البلاد. كلّ هذه الضغوطات تخطت قدراته على التحمّل وكانت كفيلة بإعادته الى نقطة الصفر ويقول: “القصة كانت لتكون سهلة لو لجأتُ الى مرشدي في المركز في أوّل المطاف، وأخرجتُ كل ما في داخلي، لكنني كابرت كعادتي”. ويتابع حديثه بالقول: “ضغوطات الحياة اضعفتني. وأنا في كلامي هذا لا أبرّر سبب انتكاستي وأعلم اني اتجهت الى الحلّ الأسهل بسب أنانيتي. أقسم أنّ مادة “الهيرويين” لم تشعرني بالمتعة هذه المرة، بل كانت بمثابة دواء يساعدني على متابعة حياتي. وضعفي هذا دمّر كل ما بنيته بين الاعوام 2014 و 2021. عدتُ الى السرقة والترويج لتأمين “بضاعتي” وتدهورت علاقتي مع زوجتي وكل من حولي”.

“أستحق العيش بكرامة”

 

يقبع شربل منذ شهرين ونيّف في “قرية الانسان”. عاد الى المركز مدمناً مدمّراً، الّا أنّ عزيمته جعلته مصرّاً على المحاولة من جديد للتخلّص من ذنوب الماضي. ويأمل في أن ينهي مراحل التأهيل وأن يتقبل المجتمع توبته لعله يسترد ما سلبه منه الإدمان”. المجتمع إذاً هو “بيت القصيد” وهو الذي يدفع الإنسان الذي يبحث في أحيانٍ كثيرة عن حلول تجنّبه السقوط مجدداً في الخطيئة. وفي هذا الإطار يقول: “لا أخشى الإعتراف بما اقترفت وأملك جرأة ذلك، وأنصح كل مدمن بأن يتحدّى نفسه ويطلب المساعدة، لأنّ الحياة جميلة ويستحق كل انسان أن يعيشها بكرامة بعيداً من عبودية الإدمان”.

المدمن المتعافي ليس مجرماً

 

رحلةُ المريض المتعافي من الإدمان محفوفة بالصعوبات. وبعد مسيرة طويلة يمضيها في العلاج ينتهي به المطاف في أحيانٍ كثيرة إلى الانتكاسة من جديد بسبب “النقطة السوداء” التي تشكل وصمة على سجلّه العدلي وتحول دون حصوله على وظيفة أو بسبب مجتمع لا يرحم، ويعوق اندماجه مجدداً، فتذهب مساعي الجمعيات ومراكز التأهيل سدىً، على ما يوضحه مدير مركز “قرية الإنسان” آلان تابت، قائلاً: “يصل المدمن الينا فاقداً السيطرة على نفسه، فيواكبه فريق من الاختصاصيين النفسيين والمرشدين الاجتماعيين والروحيين لتأهيله. كذلك، ننظّم له دورات تدريبية في الطبخ بعد أن اتفقنا مع وزارة السياحة على السماح لمن انهى مرحلة التأهيل بالعمل في مجال الفندقية من دون طلب سجل عدلي. الى ذلك، تختلف فترة العلاج بحسب قدرة كل مريض. وفي شكل عام يدخل المدمن الى قرية الإنسان باسم “نزيل” ثم يتحول بعد ثلاثة أشهر الى “ملاك” (يصبح مسؤولاً عن نزيل جديد) ثم يتطور ليصبح “مسؤولاً عن ورشة” من ثم “مشرفاً” أو “مسؤول بيت”. ثمّ يدخل مرحلة “الإنخراط” اي الإندماج في المجتمع، فيقضي نصف الأسبوع في المركز والنصف الآخر خارجه. الى حين يجد وظيفة فيكون بذلك قد وصل الى المرحلة الأخيرة، مرحلة “المتابعة”، فنواكبه سنتين أو ثلاثاً لنتأكد من حسن سلوكه ونساعده في حال تأزم وضعه”.

 

تساعد هذه المراحل التأهيلية الشخص للإنطلاق في رحاب الحياة من جديد. لكن، للأسف، سرعان ما يتحول الى ضحية المجتمع والقوانين. وبحسب تابت: “لا تجد غالبية شبابنا اي فرصة عمل في مرحلة الإنخراط بسبب سجلهم العدلي، فيتحمل الأب علّاوي مسؤولية تأمين وظائف لهم في فروع الجمعية. إلا أنّ هذا الموضوع بات يشكل ضغطاً هائلاً بالنسبة إلينا، نظراً للصعوبات المادية التي يعاني منها لبنان ككل. لذا، يجب ألّا نعامل المدمن كمجرم أو أن نحرمه من أبسط حقوقه فهو لم يقرر بوعيٍ السير في هذا الطريق. ولا أحد يعلم مدى صعوبة مرحلة التأهيل والوجع النفسي والجسدي اللذين يمر بهما المدمن، لذلك سنستمر بمطالبة المعنيين بالأخذ في الإعتبار، وضع الشخص الذي أنهى التأهيل والنظر بمسألة سجله العدلي ومنحه الفرصة كي لا تحُول “النقطة السوداء” والأحكام على سجلّه دون اندماجه بطريقة صحيحة في المجتمع الذي يلعب دوراً أساسياً في تقبله ومساعدته على التعافي بدل الحكم عليه ورجمه”.

 

المدمن بعين القانون

 

ما زال يُنظر الى متعاطي المخدرات في لبنان كمجرم ومريض في آن. ولا تزال النقطة السوداء تدمغ سجلّه العدلي فضلاً عن بعض الاحكام القضائية التي تصدر بحق المتعاطي والتي تصل الى حدود الاتهام بالترويج والإتجار بالممنوعات. ويمكن تناول جرائم المخدرات في ضوء القانون الرقم 673/98، وتستند الجرائم المرتكبة بقصد التعاطي أو الإستهلاك الشخصي الى:

 

– العناصر المادية: يعتبر من مرتكبي هذه الجرائم كل من حاز أو اشترى كمية ضئيلة من مادة شديدة الخطورة من دون وصفة طبية وبقصد التعاطي، وكانت ضآلتها تسمح باعتبارها مخصصة للاستهلاك الشخصي وفقاً للمادة 127.

 

– النية الجرمية: تتطلب جريمة تعاطي المخدرات قصد التعاطي من دون قصد المتاجرة بها. ويجوز إثبات ذلك بغير وسيلة، كأن تستند المحكمة الى ضآلة الكمية المضبوطة أو الكشف الطبي وغيره من ظروف القضية.

 

– العقوبة: فرضت المادة 127 عقوبة بالحبس من ثلاثة أشهر الى ثلاث سنوات وغرامة من مليونين الى خمسة ملايين ليرة على كل من يقوم بالأفعال المذكورة أعلاه.

 

– التدابير الاحترازية: أعطت المادة 151 الحق للمحكمة، في حال ملاحقة مدمن على تعاطي المخدرات وإدانته، بإلزامه الخضوع للعلاج ضد الإدمان أو لتدابير الرعاية المنصوص عليها في هذا القانون، إضافة إلى العقوبة.

 

– تدابير العلاج والرعاية: تشمل تدابير العلاج، المنصوص عليها في المادة 182، العلاج الكامل من التعاطي والإدمان على المخدرات. ويحق لكل مدمن أن يطلب من لجنة مكافحة الإدمان إخضاعه لتدابير العلاج الجسماني والنفساني لدى أحد المصحات. ويكون له الحق في إخفاء هويته وعدم ملاحقته إذا تابع العلاج واستمر فيه حتى استحصاله على شهادة تثبت شفاءه التام وفقاً للمادة 183وما يليها. وكذلك يجوز للنيابة العامة، في حال توقيف شخص بجرم التعاطي، أن تحيله بموافقته الى لجنة الإدمان كي يخضع للعلاج. كما يجوز للمدمن أن يطلب ذلك من المرجع القضائي المعروضة عليه القضية. وإذا ثابر المدمن على العلاج حتى الإستحصال من اللجنة على شهادة تثبت شفاءه التام، يتم وقف التعقبات بحقه نهائياً.