أن يَرِدك اتصال من طالب جامعي يطالبك فيه بالتحرك لإنقاذ الجامعات من تفشّي ظاهرة المخدرات، ليس بالأمر المعهود، خصوصاً أنّ الطالب يُدرك أنّ تحقيقنا لو نشِر قد يطاول جامعة تحتضنه أو تحتضن رفاقاً له لكنّه لم يحذُ حذوهم.
ما لفتني في اتصال هذا الشاب الجامعي طلبُه إيصال ندائه الى وزير التربية، حيث ناشده الإسراع في اعتماد أو ابتكار وسائل جديدة للحدّ من انتشار حشيشة الكيف وسواها من المخدرات المركّبة في بعض جامعات لبنان، خصوصاً بعد ما شاهده، عارضاً فكرة «الفحص الفجائي» للطلّاب.
وسأل: لماذا لا تلجأ وزارة التربية إلى اعتماد هذا الإجراء في الجامعات كافة للحدّ من نسبة تعاطي الطلاب، ولأنّ «حشيشة الكيف تفوق الـ60 في المئة بحسب مشاهداته، ونسبة تعاطيها تفوق النسَب المعروفة أو المتداوَل بها»، حسب تعبيره.
حوّاط: النسبة الأنثوية تتزايد
في المقابل، تأسّفَ رئيس مؤسسة جاد (شبيبة ضد المخدرات) جوزف حواط لِما آلت إليه، وفق إحصاءاته، أحوالُ الجامعات والمدارس من جرّاء تعاطي المخدرات وانتشارها بكثافة وبنسَبٍ متزايدة ولا سيّما هذا العام.
والملفت بحسب الإحصاءات التي حصلت عليها المؤسسة أنّ نسبة المتعاطين الإناث زادت بنسبة 20 إلى 25 في المئة بالرغم من أن الإحصاءات الرسمية لم تشر الى هذا الإرتفاع. أمّا نسبة المتعاطين الشباب فقد تزايدت في المجمل، فيما المؤشر الخطير أنّ الأعمار تدنّت هذا العام ليبدأ الشباب بالتعاطي بعمر الـ 16 و17.
ويشير حوّاط إلى أن حشيشة الكيف لم يعد يصحّ وصفها بغير المؤذية لأن البذرة تطوّرت الى الأسوأ بعدما تطوّر مفعولها ليدوم في جسم الانسان الى ما فوق الثلاثين يوماً، ليصحّ وصفها اليوم بـ»الحشيشة المغشوشة».
فيما يكشف حوّاط أنّ «مؤسسة جاد لجأت منذ سنوات إلى وزارة التربية ولاقت دعماً لهذا الإجراء (الفحوص المخبرية)، كما لاقت دعمَ اتّحاد أطبّاء أوروبا و»رعاة» يتحمّلون التكلفة لإجراء الفحوص المخبرية بعد التعاقد مع أحدث المختبرات في لبنان، منعاً لتحميلها للدولة أو للجامعات التي طُلب فقط موافقتُها السماح لإجراء هذا الفحص الدوري الفجائي، ولا سيما بعدما أثبتت الدراسات أنّ نسبة التعاطي ستنخفض إلى 60 في المئة إذا ما اعتُمد هذا الإجراء. لكنْ وبعد الحصول على توقيع الوزير وإنهاء البروتوكول والإجراءات، اعترضَت جمعيتان لبنانيتان على المشروع، فأوقِف بحجّة مبادئ «حقوق الإنسان».
وفيما يبدو أنّ بعض الجامعات تُجري فحوصاً مخبرية للطلاب الجُدد بداية العام الدراسي من ضمن إجراءات التسجيل، (مع الإشارة إلى أنّ هذا الإجراء ليس متّبعاً في غالبية الجامعات)، يُطرَح السؤال: ما الذي يمنع إدارات المعاهد أو الجامعات من إجراء التحاليل المخبرية بشكل فجائي خلال العام الدراسي، للتأكّد من أنّ الطالب لم ينجرّ إلى التعاطي ولأنّ الأمر سيَحدّ من نسبة التعاطي؟
حمادة
طرَحنا السؤال على وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة، فقال لـ»الجمهورية»: «إحتراماً لمبادئ حقوق الإنسان لا يمكننا أن نقدِم على هذه الخطوة، أي لا يمكننا أن «نداهم» كل الجامعات في لبنان ونُخضِعَ الطلاب للمراقبة أو حتى أخذِ عيّنة للتحليل، وفي الأمر استحالة، لأنّنا نحوّل بذلك جميعَ طلاب لبنان الى متهَمين، وهذا أمر لا يجوز. أمّا بالنسبة الى التعهّد المطلوب عند التسجيل، فمعلومٌ أنّ كافة قوانين الجامعات إذا ما تأكّدَت من أية حالةِ تعاطٍ لطلابها فهي من المؤكّد ستتصرّف وسيُصرَف الطالب.
في المقابل أشار حمادة الى أنّ الطالب من المفترض أن يَخضع لأنظمة الجامعة التي سيلتحق بها، وهي من الأساس تُعلمه وتمنَعه من التعاطي في الممنوعات تحت طائلة المسؤولية، إن أخلاقياً او من ناحية تعاطي المخدرات.
ويضيف حمادة «أمّا أن يوقّعَ الطالب مسبقاً على تعهّد يمكّن أيّاً كان من المسؤولين المعنيين في المعهد الذي يتعلم به أن يأخذ عيّنةً لإجراء تحاليل فجائية بمجرّد الشك أو الإخبار عن حالات تعاطٍ، فهذا الأمر لا يجوز، وهو مخالف لحقوق الإنسان، ولا يمرّ مع وزارة حقوق الإنسان التي يتولّاها الوزير أيمن شقير.
ولا أنا أقبل أن تتحوّل الجامعات إلى مختبر للتحاليل، أو أن تتحول إلى أوكار مشبوهة للمخدرات، قد نسمع بأنّ البعض يخالف القواعد إنّما لا يمكننا كوزارة السماح بأيّ إجراءات روتينية من هذا النوع، كما أننا لا يمكننا منعُ أيّ جامعة من اتّخاذ أية تدابير، فلكل جامعة أنظمتها الخاصة، إنّما بالنسبة الى ظاهرة المخدرات وإذا ما كانت فعلاً تتزايد، فالحملة ضدّ المخدرات تكون بحملة توعية كبيرة على جميع المستويات، تبدأ بالمدرسة وفي صفوف متوسطة وما فوق لتصل الى الجامعات وتشمل جميع شرائح الرأي العام والجمهور.
وأكّد حمادة أنه لا يمكننا ان ننسى الوضعَ العام الذي يصيب المواطنين نفسياً وعقلياً منذ سنوات طويلة، كاشفاً عن انّ هناك ورشة كبيرة تحضَّر اليوم للبرامج التربوية والإرشادية، لا سيّما في موضوع المخدّرات الذي سيكون له جزء كبير في التوجيه وفي برامج التربية المدنية، وسيكون له حيّزٌ كبير في الورشة الجديدة، لأنه بالفعل آفة الألفية الثالثة».
وعلّق على نسبة الـ60 في المئة بأنّها غيرُ صحيحة ومبالَغٌ بها، مؤكداً أنّ هذه الظاهرة تُحارَب، برأيه، مِن خلال طرقٍ لا نعتدي فيها على حقوق الطالب كإنسان في المجتمع. مضيفاً أنّ التوعية والتوجيه يَبقيان أفضلَ حلّ.
رابطة الجامعات
في السياق، قال الدكتور طارق نعوص نائب رئيس رابطة الجامعات في لبنان لـ»الجمهورية» إنّ الجامعات في لبنان تختلف، والقوانين تختلف من جامعة إلى أخرى»، لافتاً إلى أنّ هذا التعهّد لا يوقّعه أبداً الطالب في الجامعات الأميركية والفرنكوفونية، قد يوقّع تعهداً يقضي بضرورة تقيّدِه بأنظمة جامعته، علماً أنّ قوانين الجامعات بأغلبيتها في لبنان تنصّ على منعِ التعاطي، للمخدّرات أو توابعها.
أمّا بالنسبة لإجراء الكشف الفجائي، فأوضَح نعوص أنه ممنوع قانوناً في شرعة حقوق الإنسان، ويُمنع في الجامعات الأجنبية كما في ذلك الجامعات اللبنانية، خصوصاً أنّ الطالب الجامعي يكون قد بلغَ عمر الـ18 سنة.
وأشار نعوص إلى أن رابطة جامعات لبنان شجَّعت من خلال اجتماعاتها مع الاختصاصيين على القيام بحملات توعية بمساعدة الطلاب أنفسِهم، وذلك لمنعِهم من الوقوع في فخّ المخدّرات.
ولفتَ إلى أنه لا يمكن تحديد النسبة الفعلية لتفشّي المخدّرات أو نسبة تعاطيها في الجامعات، مضيفاً: «نحن نَسمع ونقرأ أنّها تتزايد، وحين نسأل عمداء الجامعات، يَنفي الجميع بالقول إنّ جامعته بمنأى عن هذا الموضوع، وفي حال وُجِدت فإنّ إدارة الجامعة تتعاطى مع الطالب بصفته مريضاً ويتمّ التواصل مع الأهل للبحث عن سبلِ المعالجة، وهي لا تعتبره مذنباً، أمّا إذا اتّضَح أنّ هناك ترويجاً فإنّ إدارات الجامعات تلجأ إلى إبلاغ السلطات الأمنية بالأمر».
ونفى نَعوَص أن تكون النسبة مرتفعة بالشكل الذي روِّج له، مشدّداً على أنّ الجامعات لا يمكنها مطلقاً تحديد نسبة التعاطي في معاهدها، ومن واجب الرابطة العمل بطريقة غير مباشرة وغير عدائية أو سلبية لتوعية الطلاب وتنبيههم.
كما أوضَح نَعوَص أنّ رابطة جامعات لبنان تعمل من خلال لجانٍ مكلّفة من الهيئة التنفيذية للقيام بمهمّاتها. وأكّد أنّ موضوع المخدرات سوف يُطرح في المراحل اللاحقة للتباحث وللاستفادة، كاشفاً أنه عند السؤال عن الحالات أو النسَب تكون إجابة الجامعات كافّة «مِش عنّا عند غيرنا!»، إلّا أنّنا كرابطة نَعلم أنه لدينا مشكلة وسنتابعها في المستقبل، لأنه يَهمّنا الحدّ مِن نسَب التعاطي في كلّ مؤسساتنا التربوية، خصوصاً أنّ المعلومات تُظهر أنّ نسبة المروّجين تتزايد في لبنان.
التساهل… أبرز الأسباب
في المقابل تشير الاستطلاعات في بعض الجمعيات الى أنّ الارتفاع في النسَب، من أبرز أسبابه:
1 – إنّ الشباب لم يعُد يردعهم القضاء بعد قرار النيابة العامة عدم توقيف المتعاطي بحجّة أنه مريض وليس مجرماً، في الوقت الذي كانت المؤسسة المعالجة تلجأ الى تخويف المتعاطي من القضاء ومن السجن لردعه، لكنّها أصبحت مهمّة صعبة اليوم، لأنّ المتعاطي بدأ باللجوء الى تقديم تقارير طبّية تفيد بأنه مريض، والمريض لا يعامَل كمجرم ولا يسجَن، إضافةً إلى وجود بعض الاطبّاء المتواطئين مع المتعاطي مقابل حفنةٍ من المال لتزويده بتقارير مزوّرة.
2 – البطالة المتزايدة التي تدفع الشباب الى اليأس، ولا سيّما بعدما غزا المراهقون السوريون الوظائفَ الشبابية المتوسطة الدخلِ مكان الشباب اللبناني.
هل خسرَت الجمعيات المعركة؟
تعتبر مصادر ملِمّة بملف مكافحة آفة المخدرات أنّ الجمعيات خسرت اليوم معركة الجامعات، لأنّ أعداد المتعاطين أصبحت هائلة، ولأنّ التلامذة لا ينصتون الى أهاليهم، فكيف سيستجيبون لإدارات جامعاتهم؟!
وتَجدر الإشارة الى جامعة لبنانية خاصة في بيروت اعتَمدت تنفيذ هذا الإجراء على مسؤوليتها الخاصة، حيث يردّد رئيسُها أمام زوّاره وطلّابه: «فليغادر جامعتي الطالب الذي يرفض التوقيع».
قوى الأمن: «لا تعديل»
من جهتها، توضح مصادر قوى الامن الداخلي أنّ عقوبة المتعاطي تصل الى 3 سنوات سجن، وليس هناك تعديل في العقوبة، بل هناك تعميم من مدّعي عام التمييز الى النيابات العامة بعدم توقيف انسان يتعاطى المخدرات واعتباره مجرماً، ولا سيّما إذا كان المتعاطي قد ضُبِط للمرّة الاولى، فيتمّ تركُه للمعالجة بعد ان يُفتح له ملفّ ويصبح مراقَباً، لافتاً إلى أنّ الإفراج عن المتعاطي ليس تساهلاً «إنّما لإعطائه فرصة التداوي بنفسه، لأنه بنظر القانون مريض وليس مجرماً، أمّا إذا ظهر عليه الاستهتار واستمرّ في التعاطي تلجَأ قوى الأمن الى اعتماد التشدّد والسجن».
أرقام ترتفع ومواد جديدة
في هذا الإطار، تكشف مصادر قوى الأمن أنّ الارقام تتزايد فعلاً، كما تتزايد أيضاً طرقُ ووسائل التعاطي، فيما يتمّ ترويج الولّاعات المموّهة التي تحمل موادّ مركّبة مخدّرة، إذ يلجأ المتعاطي دائماً إلى ابتكار طرقٍ جديدة لإخفائها إنْ في السيارة أو في أماكن لا يمكن تخيُّلها حتى داخل جسمِه، ليبقى بعيداً عن أعينِ المخبرين أو المراقبين، مع الإشارة الى تزايدِ تجارةِ وتعاطي حشيشة الكيف، فيما تطوّرت الطرق في إخفاء المخدرات إن عبر النرجيلة أو الحفلات الموسيقية الصاخبة أو المخدرات الرقمية، وبرزت ظواهر جديدة للمواد المركبة المخدرة.
وعن هذه الظواهر سيكون لـ«الجمهورية» تقارير لاحقة وللحديث صلة.