Site icon IMLebanon

..عودة الدروز الى الجذور

 

لا يمكن اعتبار الدعوة التي وجهها رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط أمس إلى ابناء طائفة الموحدين الدروز في سوريا عابرة، لا في التوقيت ولا في المكان الذي صدرت منه، وهو الموجود في العاصمة الروسية موسكو للبحث في آفاق التطورات الاقليمية واستشراف ما سيؤول إليه الوضع في سوريا، خصوصاً في ظل التطورات الداخلية الأخيرة بعد بروز «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش).

لقد أكّد جنبلاط في تغريدات على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي أن «الوقت حان أمام الموحدين للمصالحة مع المحيط والوقوف على الحياد« مكرّراً تحذيره الدروز السوريين من «مخاطر التورّط مع النظام» وأن افضل ما يمكن أن يفعلوه هو «الوقوف على الحياد او الالتحاق بالثورة ضد النظام السوري لان الثورة ستنتصر عاجلا ام آجلا«.

وإن كانت دعوة جنبلاط صدرت بعد الاشتباكات التي شهدتها قبل يومين بلدة عرنة السورية ذات الغالبية الدرزية بين «جبهة النصرة» وأبناء البلدة وذهب ضحيتها عشرات القتلى والجرحى، إلا أن جنبلاط كان قد انتهج منذ بداية انتفاضة الشعب السوري ضد نظام الطاغية في دمشق، موقفاً واضحاً وصريحاً وعلنياً بدعم هذه الانتفاضة، وشدّد على أن جلّ ما يمكن أن يفعله هو تقديم النصح لأبناء طائفة الموحدين الدروز في سوريا بالالتحاق بصفوف الثورة وعدم الانجرار أو الانزلاق إلى ما يريد النظام القمعي الاستبدادي في دمشق الوصول إليه، وهو تحويل الانتفاضة الشعبية إلى حرب مذهبية يجرّ فيها الأقليات المسيحية والدرزية للوقوف إلى جانب الأقلية العلوية الحاكمة، كل ذلك في سبيل إثبات مقولته حول «حلف الأقليات» وتصوير الثورة على أنها «سنية» ضد «الأقلية».

غير أن بعض الأبواق الاعلامية التي «تزعق» في فلك الاعلام المؤيد للنظام السوري، حاولت استغلال دعوة جنبلاط وتصويرها على أنها تدخل في شؤون سوريا، لا بل أكثر من ذلك، حاولت الترويج بأن هذه الدعوة لم تلق آذاناً صاغية لدى أبناء الموحدين الدروز في سوريا لأنهم «مع النظام ولا شيء يؤمن لهم مصالحهم ومستقبلهم سوى هذا النظام». لكن جنبلاط الذي لم يرتدع أمام حملات أقسى بكثير وظروف أعتى وأشنع، وهو الذي اختبر الحروب والويلات والمآسي التي عاشها أثناء الحرب الأهلية اللبنانية الغابرة، لم يتراجع عن موقفه قيد أنملة، لا بل أصرّ على موقفه وجال في جميع أنحاء لبنان طولاً وعرضاً، وتوّج جولاته في أكثر المناطق «حساسية» بالنسبة للدروز في لبنان، من خلال زيارته قرى وادي التيم والعرقوب المتاخمة للجانب السوري من جبل الشيخ، داعياً أبناء المنطقة إلى التمسّك بالعيش المشترك، وناصحاً الدروز بالعودة إلى الجذور لاثبات تراثهم العربي الاسلامي الأصيل.

وحول هذا الملف الحساس، قال مفوض الاعلام في «الحزب التقدمي الاشتراكي« رامي الريس إن «الأحداث المأسوية التي تمر بها سوريا تؤكد يوماً بعد يوم أن كل مكونات المجتمع السوري متضررة من السياسات التي تبعها ويتبعها النظام والتي ترتكز بالدرجة الأولى على تأليب المناطق والطوائف والمذاهب على بعضها البعض وهي لا تستثني أي طائفة بما فيها الطائفة العلوية ذاتها«.

وأكّد الريس لـ «المستقبل» أن «أحداث عرنة لا تخرج عن هذا السياق الذي دأب النظام على إعتماده وهي تؤكد صحة المواقف التي كررها مراراً النائب وليد جنبلاط حول ضرورة مصالحة العرب الدروز مع محيطهم وألا يكونوا جزءاً من منظومة الظلم التي سبق لهم أن واجهوها بقوة وحزم في حقبة الانتداب الفرنسي بقيادة سلطان باشا الأطرش ومشاركة كوكبة من الوطنيين السوريين«.

كان الطابع الذي أضفاه جنبلاط على جولاته المناطقية في لبنان، طابعاً وطنياً بحتاً، أصرّ عليه وعلى عدم استخدام مصطلح «الدروز» خلالها، لأن المحافظة على السلم الأهلي والعيش المشترك في لبنان، كان، ولا يزال، في قمة أولياته ويعتبر أن مصلحة الدروز فيه تتأتى من خلال التعاون مع الأكثرية من أبناء المحيط وهم من «أهل السنة» الذين بجلّهم يناصرون الثورة ضد النظام في سوريا، وهو يلتقي معهم في هذا الموقف.

وانطلاقاً من هذا الموقف اعتبر الريس أن «اليوم أكثر من أي وقت مضى تبرز الحاجة لفك ما تبقى من إرتباط للعرب الدروز مع النظام وفتح قنوات التواصل مع سائر مكونات المجتمع السوري الذي ناضل ويناضل في سبيل الحرية والكرامة والتغيير»، مشيراً إلى أن «العرب الدروز في سوريا يملكون الوعي الكافي لاتخاذ الموقف الذي يتلاءم مع تاريخهم من جهة، ومع طموحات الشعب السوري المشروعة من جهة أخرى».

من المبكر الحديث عن مستقبل سوريا كدولة، لكن المؤكّد أن جنبلاط مصرّ على قناعته بأن النظام السوري المستبد لن يبقى، وهو عاجلاً أم آجلاً إلى زوال، غير أن من الواضح أن قراءة جنبلاط للتطورات الاقليمية جعلته متشبّثاً بموقفه من «سوريا الأسد» التي أتى فيها هذا النظام على حضارة عمرها آلاف السنين، وهجّر منها شعباً عانى منه في الداخل ويعاني حتى بعد هروبه منه، وأن نصيحة جنبلاط للدروز لا يمكنها أن تتعدّى النصح الكلامي، وعلى «العقّال» أن يتعظوا.

وفي انتظار عودة رئيس «الحزب الاشتراكي« من موسكو وقراءة المؤشرات التي ستدل عليها بوصلته السياسية فإن التغريدات على موقع «تويتر» تبقى النبع الذي ينهل منه المهتمون والمتابعون للتطورات.