Site icon IMLebanon

هواجس درزية: تجاوزنا الفتنة.. لكننا نستعد للأسوأ

يختصر مشهد العلم السوري محتضنا جثامين شهداء تفجير السويداء، واقع حال نبض الشارع الدرزي في سوريا ولبنان اليوم.

إنها خلاصة تستشفها أوساط درزية مؤيدة للنظام في سوريا، مطلعة على الواقع الدرزي في سوريا ولبنان، بعد رصد الهبّة الشعبية الدرزية التي واجهت محاولة إيقاع الفتنة بين أبنائها اثر اغتيال الشيخ وحيد بلعوس.

ينطلق هؤلاء من مسلمة لدى أبناء الطائفة، بأن لا مجال لحرفها عن معركتها بوجه العدو الذي حاول استباحتها «أدرك أبناء الطائفة منذ اللحظة الأولى ماهية المعركة، وذلك بالضبط هو سبب استهدافها، وهو ايمانها بوحدة مجتمعها بوجه الجماعات التكفيرية ومن وراءها، وحفاظها على الهوية العربية السورية ووحدة الشعب والاراضي السورية».

انطلاقا من هذا الايمان لدى الطائفة، تشرح الأوساط ما حدث في منطقة السويداء، تلك المحافظة الموالية بشدة للنظام في سوريا، «والتي لم يقتصر دعمها على رفد القوات المسلحة السورية بالرجال»، بل انها قدمت دعما غير محدود للدولة عبر روافد شعبية مسلحة تحت عناوين مختلفة: «الدفاع الوطني»، «درع الوطن»، «كتائب البعث»، اضافة الى امدادها احزابا مناصرة للنظام في معركته كـ «الحزب القومي السوري الاجتماعي» و «حزب التوحيد».

«تلك التشكيلات القتالية هي التي تدخلت، برعاية مشايخ الطائفة وعلى رأسهم الشيخ ركان الاطرش، لعدم جر الطائفة الى فتنة خطط لها في الخارج على ان تنفذ بأياد محلية».

وقد استغلت تلك «المؤامرة» تململ الشيخ بلعوس من «احتكار العائلات» لمرجعية الطائفة، وتهميشه، لدفعه في محاولة «تمرد» على المرجعيات الروحية والسياسية للطائفة، مدعوما من فصائل مسلحة معارضة مقرها في درعا وذات تمويل من خارجها، تحت عناوين فضفاضة، داخلية في الطائفة كالتصدي لـ «الاستئثار»، أو خارجية كـ «مواجهة تجاوزات الأمن العسكري».

على ان بلعوس، المعاون السابق في الشرطة، «لم يشهر معارضته للرئاسة السورية مثلما انه لم يستهدف في ملاحظاته أداء الجيش السوري، لكنه تمكن، منذ نيته التحرك قبل عامين، من تشكيل حيثية وان كانت متواضعة، قوامها نحو 200 مناصر، منهم المتعاطف، ومنهم المطلوب من قبل الدولة، ومنهم الهارب من وجهها».. وكشفت اعترافات المتورط الأساس في عملية اغتيال بلعوس، وافد أبو ترابة، ان بلعوس «استُخدم ليشكل هدفا جاذبا للفصائل المسلحة التي رأت فيه صيدا ثمينا تضرب عبره تماسك الطائفة كما اصطفافها خلف النظام»، كما يقول المتابعون، «فكانت عملية الاغتيال التي شابه اسلوبها الكثير من عمليات الاغتيال التي قامت وتقوم بها الفصائل التكفيرية والقائمة على تنفيذ اكثر من تفجير واحد وصولا الى حصد الكمية الاكبر من القتلى».

في المقابل، كان ثمة حذر كبير من قبل الدولة السورية في مواجهة حالة بلعوس، وراوح رد فعلها بين تجنب الاحتكاك معه، ومن ثم الانسحاب من ساحة التوتر، فور عملية الاغتيال. وبالفعل، نزل انصار بلعوس الى شوارع السويداء، وشرعوا في عمليات شغب، وحصلت حال من الفوضى في ظل انتشار الجماعات المسلحة المقربة من السلطة ايضا.. لكن حالة التوتر لم تستمر طويلا، وبعد ساعات هدأ الوضع في المنطقة، بعد تدخل المشايخ الذين تمكنوا من احتجاز أبو ترابة ومن ثم تقديمه الى السلطات لاعتقاله، ليتوالى مسلسل اعترافاته..

وتشير الأوساط الى ان فتوى الشيخ الاطرش بتحريم الاعتداء على مؤسسات الدولة، ومواقف مشايخ عقل الطائفة حكمت الهجري ويوسف جربوع وحمود الحناوي، مضافة الى جهود فاعليات السويداء، معززة بخروج اعترافات أبو ترابة الى العلن، مثلت عوامل ساهمت بعودة الهدوء ومن ثم الاستقرار الى السويداء، في ظل انتشار قوات الحرس الجمهوري في المحافظة.

وقد تجاوزت السويداء قطوعا هاما، حسب هؤلاء، الذين يؤكدون ان محاولات اغراق المحافظة، ذات الموقف الاستراتيجي والعمق الديموغرافي الدرزي الصامد بوجه الجماعات المسلحة، قد تستمر في المرحلة المقبلة، وقد تتخذ اشكالا جديدة، لفصل تلك الطائفة عن دولتها.

تتوقف الأوساط، مليا، عند خلاصة تلك الاحداث. هم يتخذونها مثالا صارخا على الخطر المحدق بالدروز، في ظل محاولات حثيثة لفصلهم ديموغرافيا وجغرافيا عن الداخل السوري، وهو حلم اسرائيلي قديم، بدأت ارهاصاته منذ فترة ستينيات القرن الماضي، لإقامة دولة درزية في جبل العرب والسويداء، ضمن مخطط قائم لتقسيم سوريا طائفيا وعرقيا.

ويؤكد هؤلاء ان محاولات الفصل تلك مع الدروز لن تنجح، وهي ان مثلت هدفا صعبا في الماضي، فقد بات هذا الهدف مستحيلا اليوم، إذ من يتأمل الواقع الديموغرافي والجغرافي الجديد، يدرك هذا الواقع، اذ لم تعد المناطق الدرزية مترابطة كما في الماضي، وبات التداخل الطائفي عائقا امام تلك الفكرة، المرفوضة أصلا من قبل الغالبية الساحقة من ابناء الطائفة في سوريا.

ولكن كيف يقارب أبناء الطائفة في لبنان تلك الاحداث الاخيرة في السويداء؟

تلفت الأوساط النظر الى ان دروز لبنان يحتفظون بالتوجس نفسه على مصير الطائفة ككل، تماما كما ابناء عمومتهم في سوريا، وهم يعتبرون انفسهم في معركة واحدة مع اخوانهم في سوريا، لا بل ان سلاح الدروز في المعركة السورية يمثل اليوم خط الدفاع الامامي لدروز لبنان.

ويبدو ان هذا المشهد يتوضح أكثر فأكثر مع الايام، ليتخذ قناعة راسخة لدى دروز لبنان بأن المعركة هي اليوم مع العدو التكفيري، منذ ان بدأ الاخير استهدافه الاول للدروز في جبل الشيخ وفي ريف دمشق، ثم في المجزرة الكبرى التي قام بها التكفير بحق ابناء الطائفة في ادلب، الذين لم يشفع لهم خضوعهم له في بعض ثوابتهم، لا بل انه استفاض في عدائيته لهم منفذا مذبحة وحشية بهم، ما كانت لتحدث لولا العداء العقائدي الذي يكنه التكفير للطائفة.

ويشير هؤلاء الى انه، برغم ان غالبية المشهد الدرزي يصطف تحت لواء النائب وليد جنبلاط، الا ان الاخير لم يتمكن من لجم مشاعر التعاطف بين دروز لبنان، تجاه المعركة التي تخوضها الطائفة مع الجماعات المسلحة في سوريا. وهم يؤكدون ان ابناء الطائفة هم على استعداد لأية مواجهة مسلحة في حال اقتربت تلك الجماعات من مناطقهم في لبنان، لا بل ان قرار الحرب على العدو قد اتخذ ولا رجعة عنه.. استعدادا لما قد يكون الأسوأ.