الأحزاب كلّها تعرّضت خلال الأشهر الأخيرة لتراجع شعبي معبّر. لكنّ قلّة منها تعترف بحدوث هذا الضمور. الاشتراكيون من هؤلاء القلّة التي تتعامل مع مستجدات الشارع بكثير من الواقعية، من دون أن يقطعوا الأمل بإمكانية تحسين الحضور بين الناس… مع العلم أنّ لمعركتهم خصوصية محددة، لا يفقَهُها إلّا الموحدون، حتى لو تسلّلت موجات التغيير إلى هذه البيئة وراحت تغرف من معجن الأحزاب التقليدية، ومع ذلك للبيوتات السياسية في الجبل مكانتها الخاصة في وجدان الدروز.
الأكيد أنّ آلاف اللبنانيين تداولوا خلال الأيام الأخيرة الفيديو الخاص بتيمور جنبلاط يقرأ الكلمة الترحيبية عوضاً من كلمته المكتوبة في أحد اللقاءات الانتخابية. لكن وقع هذه السقطة عند الاشتراكيين لا يشبه ردود فعل الآخرين. فالجنبلاطيون تعرّفوا خلال الأسابيع الأخيرة إلى الوجه الآخر من تيمور. تلك الصراحة الزائدة والواقعية المفرطة، وفي الوقت ذاته لمسوا عن كثب تلك الشفافية العفوية رغم صعوبته في التعبير باللغة العربية. لكنه بالنتيجة حاول خلال جولته الانتخابية أن يكون بين ناسه، واحداً منهم، وهي خطوة لم يعتادوا عليها كثيراً من جانبه ويبدو أنّها لاقت استحساناً وقبولاً من جانب شرائح كانت مترددة في تجديد صوتها للفريق الجنبلاطي.
لكن معركة تيمور لا تتمثل فقط في تجديد نيابته. تلك مضمونة. أزمته الأساسية تكمن في زعامة المختارة وفي شرعيتها المثياقية التي يبدو أنّها صارت على المحك. إلى اللحظة، حافظ وليد جنبلاط على ورقة الميثاقية في جيبه، لكون الأغلبية الدرزية النيابية عنده، ولكن يبدو أنّ الكارت الذهبي صار على طاولة الصراعات الخفيّة. أقله هذا ما يردّده الاشتراكيون الذين يشكون من محاولات من جانب الخصوم، وتحديداً «حزب الله» لكسر هذه الميثاقية وفرض شراكته معه عليها، بعدما صارت المعركة النيابية في الشوف، على مسافة أمتار من المختارة، من خلال المنافسة الشرسة التي يقودها وئام وهاب لخطف المقعد الدرزي الثاني الذي يمثله مروان حمادة، في موازاة معركة فيصل الصايغ في دائرة بيروت الثانية، ومعركة وائل أبو فاعور في البقاع الغربي. ولهذا، يقول الاشتراكيون إنّ وهاب كان يتقصّد خلال الفترة الأخيرة تصويب معركته باتجاه مروان حمادة محيّداً تيمور في محاولة لتهدئة خواطر الجنبلاطيين ومنع استفزازهم وشدّ عصبهم. إلا أنّ تطوّرات الأرض، كما يرى الاشتراكيون قد عدّلت في قواعد المعركة بحيث إنّ وهاب راح يصوّب مباشرة على وريث الزعامة الجنبلاطية، بالتوازي مع تسرّب رزمة شائعات طالت آل جنبلاط بالشخصي، منها تتحدث عن خلاف بين وليد جنبلاط ونجله، أو بين الأول وهشام ناصر الدين (مسؤول الماكينة الانتخابية) أو بينه وبين كريمته داليا… وجميعها تستهدف ضرب القاعدة الجنبلاطية وزعزعة ثقتها بقيادتها.
وقد غرّد وهّاب قبل أيام قائلاً «عزيزي تيمور أتمنى وأنت الشاب المثقف أن تتحدث مع الجيل الجديد بالمستقبل وليس بالماضي هم يريدون مستقبلاً وفرص عمل ومؤسسات وديمقراطية وحريات وليس أحقاداً. وإذا كان كل الخطر الذي تتحدث عنه يزول بنجاح مروان حمادة فيجب النظر بالأمر». ما استدعى ردّاً من مستشار تيمور جنبلاط، حسام حرب، عبر حسابه على «تويتر» قائلاً: «وئام، أما وقد آلمك أن يخرج تيمور جنبلاط بإرادة صلبة للمستقبل والشباب والأمل مبنية على تاريخ طويل من النضال، فهذا سببه التالي: حقد مشروعك وانعدام مشروعيتك وصلابة أهل الجبل وإخلاص مروان حمادة لأهله بوجهك وبوجه من غزاهم في 7 أيار ويحاول اليوم من خلالك».
كما وأنّها تزامنت مع مناخات انتقادية طالت تحالف الاشتراكي مع القوات ربطاً بماضي العلاقة بين الفريقين ولو أنّهما أجريا مصالحة واعترفا بأخطائهما، على عكس الكثير من القوى الأخرى التي شاركت بالحرب الأهلية، كما يرى الاشتراكيون. كذلك سارت جنباً إلى جنب مع مناخات سلبية تشكك بوجود تفاهم تحت الطاولة بين الحزب التقدمي و»حزب الله» في سبيل ضمان بقاء فيصل الصايغ نائباً عن بيروت، وكل ذلك بهدف تشويه صورة الحزب عشية فتح صناديق الاقتراع، الأمر الذي ينذر باحتدام معركة الجبل أكثر من المتوقع.
يُذكر أنّ وهاب اقترب في الدورة الماضية من نيل الحاصل الانتخابي الأوّل في الدائرة بنيل لائحته 12796 صوتاً، بفارق نحو 329 صوتاً عن الحاصل الأول، ونيله 7340 صوتاً تفضيلياً، متفوّقاً على مروان حمادة الذي نال 7266 صوتاً الأمر الذي جعل سيناريو تجاوزه في العام 2022، ممكناً.