معلومات مقلقة مصدرها اسرائيل. لا داعي إلى التهويل ولا داعي إلى التجاهل. وهي تتعلق بما بات بالامكان وصفه اليوم بـ «المسألة الدرزية»، ولاسيما انه منذ قيام كيان العدو، سعت المؤسسة الصهيونية الى بناء علاقات خاصة مع قادة دينيين وسياسيين من الطائفة الدرزية في فلسطين. ثم وسّعت الامر بعد احتلالها ثم ضمها للجولان السوري المحتل، كما بذلت جهوداً كبيرة مع الدروز خلال احتلالها جبل لبنان، ثم بقاء قواتها أكثر من عشرين عاما في الشريط الحدودي المحتل.
ومع ان اسرائيل نجحت في خلق مناخ «صديق» وسط قسم غير صغير من دروز فلسطين، الا انها لا تزال تعاني مع دروز الجولان، لكنها تستطيع الادعاء، بأنها احدثت اختراقات بين دروز لبنان. وبرغم المناخ الملتبس الذي رافق علاقة قوات الاحتلال بقوى بارزة بين الدروز خلال احتلالها لبنان وحرب الجبل، الا ان الموقف السياسي والاجتماعي والثقافي الغالب، ظل عصيا على التطويع كما حصل مع اخرين.
وفي فترات كثيرة، كان العدو يركز على انه الجهة الوحيدة في العالم القادرة على حماية الدروز في هذه المنطقة، وان اسرائيل مستعدة لقبولهم مواطنين كاملي الحقوق، ولتوفير ملاذات امنة لمن يريد منهم الهروب من حروب اهلية في لبنان او سوريا. والعدو يستعين على تحقيق فكرته،
لإسرائيل تحيي حلم كيان من الجولان ووادي
التيم وصولاً الى الشوف ويضم دروز فلسطين
ببعض عملائه من شخصيات دينية وسياسية وعسكرية وامنية من دروز فلسطين. وفي فترات كثيرة، سعت اسرائيل، الى اغراء الدروز المنتشرين على حدودها الشمالية، بأنها مستعدة لدعم قيام كيان مستقل لهم، يمتد من الجولان شرقا الى ساحل الشوف في لبنان غربا مرورا بوادي التيم، ينضم اليه دروز فلسطين.
الحقيقة القاسية ان هذا الحلم راود قادة دروزاً في لبنان وسوريا وفلسطين، ولم يبق وَقفاً على عملاء للعدو (لا بد ان ينطق رياض رعد يوماً). وفي كل مرة، تنسب فيها ازمة كبيرة في لبنان او في سوريا او مع اسرائيل، كان القادة التقليديون المؤثرون في الوسط الدرزي يلجأون الى بناء تحالفات توفر لهم الحصانة المانعة لضربهم او تشتيتهم. وهو امر، كان يتكل ضمنا على عناصر قوة موجودة لدى الدروز، لناحية اماكن انتشارهم وطبيعتهم العقائدية، والعصبية السياسية التي يتميزون بها عن الاخرين، لكن ما جرى خلال ربع القرن الاخير، ان تطورات كبيرة جدا حصلت، ساهمت في تقليص عناصر القوة هذه الى حدود دنيا. وترافق ذلك مع صمت عام لدى القواعد الدرزية إزاء ما قام به القادة المتعاقبون، سواء في لبنان او خارجه. حتى تدهور وضع هؤلاء الى درجات متدنية جدا، اقتصاديا وثقافيا وحتى على مستوى النفوذ. وصار شرط التمتع بامتيازات في اسرائيل هو المزيد من الانضواء في قواعد اللعبة التي تديرها المؤسسة الامنية والعسكرية الاسرائيلية. وفي لبنان، يحصل الدروز على حصة سخيفة نتيجة التقاسم الطائفي للبلاد، وحدها فكرة الدولة في سوريا، وفرت لهم الكثير من عناصر الحياة، من دون دفعهم الى التخلي عن تمايزهم الثقافي والاجتماعي.
اليوم، يعيش الدروز في لبنان وسوريا وفلسطين هاجساً خاصاً، عنوانه الفعلي، موقعهم ودورهم في ظل احتدام المعركة بين محورين في المنطقة، وبين مناخات طائفية ومذهبية يتقدم فيها عنصر التماس السني ــــ الشيعي. وهو هاجس، فرض ويفرض يوميا الكثير من الخطوات، ولعل النائب وليد جنبلاط، افضل من يعبر عن هذا القلق. سواء بطريقة صياغته لمواقفه العامة او تحالفاته. وهو يواجه هذه الايام اسئلة تبدو وجودية، او هذا على الاقل هو الانطباع الصادر عنه.
طبعا الخيارات ضيقة امام الجميع في ظل احتدام المعركة، لكن الاكيد، ان خيارا جرى ابتداعه كذبا في لبنان وهو لم يعد صالحا للاستخدام، واسمه «النأي بالنفس». واخطر ما يبدو عنصرا مشتركا في خطاب القادة الدروز واتصالاتهم، هو اعتقادهم بأنه يمكنهم الاتكال على هذه الوصفة. وهو وهمٌ، مع الاسف، ليس لأنه سيؤدي الى تهجير جميع الدروز متى تمكنت التنظيمات التكفيرية من الوصول الى اماكن سكنهم، وليس الى جعل اسرائيل عاملة على استمالتهم ثم توريطهم في لعبة حماية الحدود، بل لأنَّ الصراع القائم، لم يعد يحتمل اللعب على الحبال.
قد يقول الدروز، وهذا حق اي انسان، إن هذه الحرب ليست حربنا، لكن لا أحد يمكنه القول إنه قادر على إبعاد الخطر عنه. والبحث يجب ان يتركز على «حل عربي للمسألة الدرزية»، لا على إحياء حلم «الدولة الدرزية» القائمة على حدود فلسطين الشمالية. لان اسرائيل نفسها لم تعد قادرة على المساعدة. وهي تعيش اليوم هاجس نقص الامان عند مستوطني شمالها، الذين لا يعرفون اذا كان جيشهم لا يزال قادرا على ضمان بقائهم حيث هم اليوم.