IMLebanon

دوميستورا أمام غياب أفق الحلّ السياسي هل ينجح ويصمد تجميد مناطق النزاع؟

لا تستقطب حركة المبعوث الدولي الى سوريا ستيفان دو ميستورا اهتماما كبيرا، على غرار ما حظي به الموفدان السابقان كوفي انان والاخضر الابرهيمي اللذان تنحيا عن المهمة التي كلف بها كل منهما في سوريا على التوالي نتيجة الفرص الضيئلة لإنجاز اي امر حقيقي ينهي المأساة السورية. اذ تراجعت اكثر فاكثر الظروف التي تسمح بمثل هذا الانجاز نتيجة ظروف دولية غدت اكثر تعقيدا مع توتر اميركي روسي على خلفية ازمة اوكرانيا غير مرشح للتراجع في المدى المنظور وعلى خلفية استمرار الصراع الاقليمي واقتسام اطراف هذا الصراع فصول الدعم لأطراف الحرب الاهلية في الداخل السوري. فيما ساهمت المواقف التي اطلقها الرئيس الاميركي باراك اوباما منذ اعلان الضربات العسكرية ضد تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا، في احداث تراجع ملموس حول اي افق لحل سياسي في سوريا في المدى المنظور، ما همّش الى حد كبير مهمة دوميستورا كمبعوث دولي مكلف العمل على ايجاد الفرص لحل سياسي، وخصوصا مع التطورات الناشئة في سوريا والمتمثلة بسيطرة داعش على مناطق سورية واسعة، الامر الذي غير المعطيات السياسية اقله في اسلوب المقاربة الاميركية على رغم ان كل الظروف الاخرى غير متوافرة للبحث عن حل سياسي وليس فقط هذه التطورات المستجدة. فخلال اسبوع واحد على اثر الانتخابات النصفية للكونغرس الاميركي والذي فاز فيها الحزب الجمهوري بغالبية مجلسي الكونغرس، بدا الرئيس الاميركي في غاية الوضوح حول المرحلة المتبقية من ولايته والتي لا يدرج فيها حلا سياسيا للازمة السورية في المدى المنظور. اذ قال الاربعاء في 5 تشرين الثاني، “ان تركيزنا في سوريا ليس على حل مشكلة سوريا برمتها بل على عزل المناطق التي تعمل فيها الدولة الاسلامية”. وعاد فأوضح في حديث صحافي الاحد في 9 تشرين الثاني ردا على سؤال اذا كان لا يزال هدف الولايات المتحدة تنحي بشار الاسد: “هذه لا تزال سياستنا وهناك ثقة شبه مطلقة انه فقد شرعيته ولا يستطيع استعادة الشرعية المطلوبة… لكن ما قلناه اننا لا نقوم باعمال عسكرية ضد النظام السوري ونحن نستهدف منشآت داعش ومقاتليه الذين يستخدمون سوريا ملجأ آمنا، لخدمة استراتيجيتنا في العراق. نحن نريد ان نرى تسوية سياسية داخل سوريا وهذه مسألة بعيدة المدى…”.

وهي مواقف حسمت بالنسبة الى مراقبين عدم وجوب ان يكون هناك اي اوهام، اولا: حول الاعتقاد بأن الادارة الاميركية الحالية يمكن ان تستعيد التركيز على الازمة السورية، على الاقل قياسا على مؤتمري جنيف واحد واثنين في المدى المنظور في ظل علنية تركيز استراتيجيتها على العراق من جهة وعلى محاربة الارهاب من جهة اخرى فضلا عن تركيزها على انجاز اتفاق مع ايران حول ملفها النووي . وثانيا حول الاعتقاد ان افق حل الازمة السورية محتمل في مستقبل قريب. فهذا امر غير مرجح الى درجة ان مراقبين باتوا يرون اوباما مورثا الازمة السورية الى خليفته خصوصا اذا تمت العودة الى التصريحات التي تحدثت عن استغراق الحملة على داعش سنوات عدة . يضاف الى ذلك تعثر الحل السياسي الذي تم التوافق عليه في العراق على القاعدة التي تفيد بضرورة اشراك الجميع في الحكم بعدما راهن كثر على وجوب ان ينسحب هذا الحل على سوريا وفق الاسس نفسها التي تسمح بدحر داعش والقضاء عليها، الامر الذي يستبعد استنساخا له محتملا في سوريا في المدى القريب.

في غياب افق الحل السياسي وسعيا الى كسب الوقت في انتظار رأب الصدع بين اميركا وروسيا والدول الاقليمية المعنية ، يركز دوميستورا اهتمامه على تحقيق خطوات صغيرة انما لها اهميتها، وذلك من خلال ما يسميه ” مناطق مجمدة ” او تجميد النزاعات في مناطق محددة مركزا على حلب، وفق ما اقترح في خطة العمل التي طرحها امام مجلس الامن الدولي نهاية تشرين الاول المنصرم. وتجميد امر ما يعني وضعه في الثلاجة للمحافظة عليه كما هو من دون اي تغيير حتى اوان ايجاد حل له. وهو، على الارجح، وفق ما ترى مصادر معنية تسمية حديثة لما كان يعرف ابان الحرب اللبنانية بالهدنات الموقتة ولو طالت نسبيا من اجل تأمين وصول الامدادات الانسانية، علّ ذلك يفتح الطريق او يمهدها امام هدنات اكبر او مصالحات محلية يراها البعض مماثلة لتلك التي يفرضها النظام بعد حصار للمدن والبلدات لأشهر طويلة وقصفها بالبراميل المتفجرة ثم فرض هدنة او مصالحة تحت وطأة الظروف الضاغطة. والمقاربة التي يعتمدها دوميستورا محدودة في اهدافها وانسانية في ابعادها في الدرجة الاولى بحيث من المفترض الا تثير استفزازات كبيرة، على رغم ان هناك حسابات سياسية لافرقاء النزاع الداخليين والخارجيين بما يترك فرص النجاح والفشل متساوية باعتبار انه سبق لسلفيه عنان والابراهيمي ان عملا على مقاربة انسانية لمساعدة السوريين ومدّهم بالمساعدات من دون اي نجاح. لكن ثمة فارقا اساسيا ربما بات في مصلحة دوميستورا هو الانهاك الذي اصاب القوى المحاربة على الارض علما ان لحلب رمزية كبيرة لكل الاطراف. فتجميد الصراع فيها من دون توظيفه من اي من الاطراف لمصلحته سيعد نجاحا حقيقيا في حال حصوله. ولعله سيكون اقصى الطموح اذا تحقق. لكن الاهم اذا صمد حتى اوان توافر الحل السياسي فيما الحرب مستعرة على الارض.