اكتمل المشهد الانتخابي في سن الفيل. الخارطة السياسية مشفوعة برافعة العائلات رسمت صورة معركة تكاد تتناقض في توازن رعبها، مع تلك التي رست عليها المشاورات في العام 2010. الثنائي المسيحي أي «التيار الوطني الحر» و«القوات» سيحاول استعراض «عضلات» تفاهمه بعد التقائه في قائمة واحدة برئاسة جوزيف شاوول، وطبعاً بعد تذليل عقبة ازدواجية الترشيحات… اذا تمكّن من ذلك.
خلال اليومين الماضيين شهدت واحدة من كبريات بلديات قضاء المتن الشمالي، شبه اعلان للائحتين. نبيل كحالة رئيس البلدية الحالي متحصّن بكتائبيته وبدعم ميشال المر له، (والذي تجدد خلال زيارة كحالة لـ «العمارة» خلال الأيام الماضية)، وبوجود ثلاثة أعضاء عونيين يحملون بطاقات برتقالية، وأكثر من سبعة آخرين ذات ميول عونية، يبشّر بفوزه من جديد بعد انضمام عبدو شاوول، منافسه السابق، الى قافلة الائتلاف البلدي الداعم له.
هكذا، كانت مفاجأة سن الفيل المدوّية في إعلان عبدو شاوول الذي ترشّح في العام 2010 لرئاسة البلدية بوجه كحالة، وقوفه الى حانب الأخير وفقاً لبرنامج انتخابي بلدي وضعه شاوول وفريق عمله ليكون «جسر الاتفاق» بينهما، مع العلم أنّ الأخير خاض المعركة يومها مدعوماً «نظرياً» من «التيار العوني» غير أنّ أصوات البرتقاليين توزعت حينها بين اللائحتين المتخاصمتين بفعل ازدواجية الترشيحات.
على الضفة الأخرى، يتباهى جوزيف شاوول اليوم بأنّه صاحب «اليافطة» الرسمية للتعاون العوني – القواتي، حيث تضمّ لائحته أكثر من عشرة أعضاء عونيين، أكثر من ثلثيهم يحملون بطاقات حزبية، الى جانب خمسة أعضاء قواتيين، و «تراعي الحسابات العائلية»، كما يقول داعموها.
إلا أنّ الحدث الأبرز في هذه الجهة هو تدخّل ميشال عون لتثبيت شرعية أبوته للائحة، بعدما استدعى الأعضاء الثلاثة المشاركين في لائحة كحالة، وهم كمال صفير، غبريال عطالله ونديم طربيه لإبلاغهم دعم «التيار الوطني الحر» الواضح والصريح للائحة جوزيف شاوول، وبأنهم مسؤولون عن خياراتهم في حال قرروا البقاء في تموضعهم البلدي… أما مصيرهم فلا يزال مدار لغط بين المهتمين.
فبينما يعتبر داعمو لائحة كحالة أنّ ترك الحرية أمام هؤلاء من جانب الجنرال، هو سيناريو مكرر عن تجربة العام 2010 يوم توزعت الترشيحات البرتقالية بين اللائحتين، بحجة عدم إحداث شرخ في الجسم العوني في المنطقة، يرى داعمو لائحة شاوول أنّ المسألة تتطلّب وقتاً لا أكثر.
وينقل هؤلاء عن رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» قوله خلال جلسة «الاستدعاء» وبشكل حاسم أنّ معركة سن الفيل هي معركته الشخصية وبأنّه لن يرضى بعد اليوم بلعب دور رافعة لرؤساء بلديات يصوتون في ما بعد ضدّ توجه «التيار الوطني الحر» في معركة رئاسة اتحاد بلديات ساحل المتن ووسطه، وبالتالي هو لن يتهاون في هذه المسألة ولن يتساهل.
لا بل ردّد أمام المرشحين أنّهم أحرار في تصرفهم لكون الالتزام الحزبي في «التيار» ليس قائماً على حلف اليمين، لكنهم مسؤولون عن نتائج هذا التصرّف، سارداً أمامهم تجربة أحد المنسقين الذي أصرّ على الترشح لرئاسة احدى البلديات خلافاً لرغبة القيادة الحزبية، فسحبت منه البطاقة البرتقالية.
يكمل أحد العونيين المعنيين أنّ الانتخابات تسجّل حتى الآن أكثر من حالة تشبه وضعية سن الفيل في تعددية الترشيحات البرتقالية، ويفترض أن تنظر بها القيادة دفعة واحدة وأن تحدد الإجراء التنظيمي الذي سيتخذ بحق المخالفين. ولهذا فإنّ هذ الأمر لن يمرّ، وفقه، مرور الكرام، وسيكون لـ «التيار» كلمته النهائية… الا أنّ الأكيد أنّ المرشحين الثلاثة لا يحق لهم تقديم أنفسهم تحت مسمّى «التيار»، واذا ما أكملوا المعركة فسيكون ذلك تصرفاً فردياً لا علاقة للحزب به، وفق تأكيد القيادي العوني.
هكذا، بدأت الماكينات الانتخابية عمليات «البوانتاج». نبيل كحالة يحاول ضمّ كل أصوات الأرمن الى لائحته وهؤلاء يتقاسمون الولاء لحزبي للطاشناق والهانشاك، كما أصوات الشيعة (أكثر من 350 صوتاً)، بعدما احتفل مراراً وتكراراً بانضمام عبدو شاوول الى معقله.
أما داعمو جوزيف شاوول فينطلقون من الـ1500 التي حصدها عبدو شاوول في الاستحقاق الماضي (يعتبرون أنهم أصحاب الفضل في هذا الرقم)، ويضيفون اليها البلوك القواتي (167 بطاقة حزبية).
وكما في الرابية، كذلك في معراب التي بدت منذ لحظات انطلاق المعركة متحمّسة جداً لتمتين التفاهم السياسي بتحالفات انتخابية واضحة لا لبس فيها. هكذا يقول أحد القياديين القوات إنّ القيادة «لن تتوانى عن سحب البطاقة من كل قواتي لا يلتزم توجهات الحزب».
سياسياً، يُفهم من مسار معركة سن الفيل أنّ الجنرال ميشال عون يصوّب نظره على اتحاد البلديات، وسيحاول جاهداً أن يسحب «اللقمة» من فم حليفه السابق ميشال المر ممثلاً بكريمته ميرنا المر. ويُفهم أيضاً أنّ العلاقة مع «أبو الياس» تشوبها ثغرات كثيرة، وقد يصعب لحمها في بلديات أخرى، خصوصاً أنّ ساحل المتن يشكل أبرز نقاط التماس بين الفريقين.
وعلى العكس تماماً، فبعض العونيين يفضلون «كسرها» مع «دولة الرئيس» وتعميم نموذج سن الفيل لفتح المعركة مع «العمارة» على مصراعيها.