عاد «التناغم» بين «الثنائي» الشيعي في ظل غياب اي فرصة جدية للتسوية في المدى المنظور، الرئيس نبيه بري اتخذ القرار بلملمة الوضع الداخلي «المبعثر» على وقع تحركات مثيرة «للريبة» في الشارع، وحزب الله يتجه نحو تزخيم الحرب على الارهاب بتسريع العملية العسكرية في الزبداني واعادة اطلاق العمليات العسكرية في جرود القلمون لتحصين الوضع الداخلي وحمايته من خطر الارهاب ومخاطر الانهيار على وقع ارتفاع حدة الصخب في الشارع.
اوساط دبلوماسية في بيروت تشير الى ان مسارعة الرئيس الاسبق للحكومة سعد الحريري الى الترحيب بدعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الحوارية، لا تخرج عن سياق انعدام الخيارات لدى «زعيم» المستقبل المحاصر بازماته المالية، وقلة حيلته السياسية، وهذا ما سيسبب له المزيد من «الصداع» داخل المملكة العربية السعودية، فـ«المملكة» مستاءة من تحكم «الثنائية» الشيعية بقرار «الحرب والسلم» على الساحة اللبنانية، وبعد اعلان بري اصطفافه الكامل الى جانب محور المقاومة وتذكير الجميع ان رئيس حركة امل اولا قبل ان يكون رئيسا للمجلس، لا تبدو الرياض مرتاحة الى هذا الدور المتعاظم للثنائي الشيعي، فرئيس المجلس يقود العملية السياسية بغياب الشخصية السنية الفاعلة، فيما يقود الامين العام لحزب الله المواجهة العسكرية محددا خيارات لبنان الاقليمية دون حد ادنى من التاثير لحلفائها في الداخل.
هذا «الاستياء» السعودي لا تبدو المملكة انها قادرة على صرفه في السياسة، ولذلك سلمت بالامر الواقع في الشكل، ولكنها لن تساهم في الحلحلة في المضمون، ولذلك لا تعلق اوساط في 8آذار امالا كبيرة على دعوة بري الحوارية، ولكنها ترى انها مفيدة في هذه الظروف الحساسة اذا ما نجحت في تبريد الاجواء الداخلية بعد ان وصلت الامور الى «حائط» مسدود، وقد يكون التوصيف الادق لهذه الدعوة هو «اللعب» في الوقت الضائع بانتظار التسويات الكبرى في المنطقة، «والثنائي» الشيعي يريد لفترة الانتظار هذه ان تمر بسلام، لا بأس باستمرار المراوحة اذا كان البديل هو الانفجار، ولا بأس في فتح باب النقاش في ملفات معقدة لن تجد حلولا لها على الطاولة الحوارية، وفي مقدمتها الانتخابات الرئاسية، لكن فتح باب النقاش يبقى افضل بكثير من سياسة «الابواب الموصدة» السائدة حاليا، ويمكن القول ان نموذج الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل هو الاكثر تعبيرا عما يمكن ان تنتجه طاولة الحوار التي سيكون دورها تنفيس الشارع لا اجتراح الحلول للازمات.
وتلاقي الاوساط الدبلوماسية هذه القراءة للواقع الراهن وتشير الى ان لبنان غير معزول عن التطورات في المنطقة، ففي زيارته الاخيرة لبيروت اوحى وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف الى محدثيه من المسؤولين اللبنانيين ان لا يتوقعوا انفراجات قريبة في المنطقة وخصوصا في الملف السوري، ونصحهم بتحصين الوضع الداخلي كي يتمكن لبنان من الصمود اطول وقت ممكن بانتظار نضوج التسويات.
هذا الامر يدركه المدعوون الى الحوار، لكنهم غير قادرين على رفض الدعوة، خصوصا انهم يحتاجون لمن ينزلهم عن «الشجرة»، فكانت دعوة بري «السلم» الذي ينتظره الجميع، وهم يدركون انه بغياب الغطاء الاقليمي والدولي لن يخرج الدخان الابيض الرئاسي، لا تنازلات مجانية، ولا تبادل «اوراق» الان على مستوى المنطقة، محور المقاومة بعد التسوية النووية يتعامل مع الوقائع «بلغة» المنتصر، في ظل تبدل المناخات العامة في المنطقة وصمود الدولة السورية، اما خصومه فيعتقدون انهم يتقدمون على الارض ويحققون الانتصارات انطلاقا من «البوابة» اليمنية، وهم غير مستعجلين على ابرام «الصفقة» الان.
في المقابل ايران ابلغت عبر امير عبد اللهيان المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الذي يحاول الالتفاف على عقدة استعصاء خروج الرئيس السوري بشار الأسد من الحكم، باقتراح اعطائه «سلطات بروتوكولية» في فترة حكم الهيئة الانتقالية الحاكمة التي ستتشكل بعد الاتفاق بين النظام والمعارضة، ان هذا الاقتراح لن يمر، كذلك ابلغه الروس ان محاولة تجاوز شرعية الرئيس السوري والمس بصلاحياته وتحويله الى «دمية» امر غير قابل للنقاش.
في هذا الوقت تنظر السعودية بعين الريبة الى الاخبار «شبه المؤكدة» عن المشاركة المباشرة الروسية والإيرانية بالدعم الجوي للجيش السوري، وهي تدرك جيدا ان هذه الخطوة ما كانت لتحصل دون تغطية أميريكية، فالقبول الأميركي بالتدخل الجوّي الروسي يأتي بعد «غض» واشنطن «الطرف»على مشاركة طيّارين إيرانيين في غارات على مواقع تنظيم «داعش» في العراق، وهذا يشير الى ان اولوية الادارة الاميركية الحالية لا تتماشى مع اولويات الرياض في سوريا، فواشنطن التي تمارس الضغوط على أنقرة للمشاركة في الحرب على «داعش» تتماشى مع الطرح الروسيّ حول «الجبهة الإقليمية والعالمية» الموحدة لقتال التنظيم، والذي يقترح ضمّ تركيا والسعودية إليها إلى جانب النظام السوري، وما يحصل اليوم هو نتاج تنسيق أميركي – روسيّ يضع الخلاف حول مصير الأسد خارج النقاش مع تقدم الرؤية الروسية التي تصرّ على بقائه فيما فقد حلفاء واشنطن الزخم المطلوب في هذا الاطار، بفعل تجاهل الولايات المتحدة لاولوياتهم، وفضلت التفاهم مع موسكو على مكافحة الارهاب مع ترك الملف الاكثر صعوبة الى وقت لاحق مفتوح زمنيا.
وفي هذا السياق تعمل الرياض من «وراء الستار» على عرقلة الخطط الروسية لتوحيد صفوف المعارضة السورية للدخول في مفاوضات جادة مع النظام السوري، وفيما تتبنى واشنطن موقفا يدعو لعملية سياسية في سوريا انطلاقا من بيان جنيف، وتؤيد قبول المعارضة السورية «المعتدلة» بحل سلمي للنزاع في سوريا، لكنها في المقابل لا تبدو مستعجلة على الدفع بعجلة الحل، وهي تلتقي هنا مع الرياض في اطالة امد الصراع السوري طالما انه يشكل «مستنقعاً» مفتوح لكل من ايران وروسيا.
ووفقا لتلك الاوساط، فان جولات المبعوث الخاص الأميركي حول سوريا مايكل راتني الذي التقى في 28 أب مع مسؤولين روس كبار بمن فيهم نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، ثم التقى في جده في 31 آب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير متابعا المباحثات حول العمل نحو عملية انتقال سياسية حقيقية لإنهاء الأزمة في سوريا، والتقى في 29 من آب في جنيف مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا ستيفان دي مستورا، انتهت الجولة دون اي نتائج ملموسة يمكن التعويل عليها لانطلاقة مفاوضات جادة تؤدي الى التسوية.
امام هذه الوقائع السياسية والامنية المعقدة، تأتي مبادرة الرئيس بري لتلاقي جهد حزب الله الميداني في سوريا وعلى الحدود الشرقية، وعلم في هذا السياق ان عملية الحسم العسكري لمعركة الزبداني باتت «قاب قوسين» او «ادنى»، والخطط المرسومة على الارض قد لا تحتاج الى اكثر من اسبوع لاستكمالها، ووفقا لاوساط مطلعة على طبيعة المواجهات فان المجموعات المسلحة «تلفظ» «انفاسها الاخيرة» واذا لم تطرأ اي مفاجئة ميدانية غير محسوبة او معطى سياسي له علاقة بالمفاوضات حول كفريا والفوعا ربطا ببلدة مضايا ومحيطها، فان سبعة ايام او اقل ستكون كافية لانهاء الوضع العسكري هناك، والتفرغ مجددا لمعركة القلمون التي لن تتأخر. طبعا لن ينتظر احد ان ترضى السعودية «الغاضبة» واذا كان لديها ما تقوله فتصفية الحساب المتاحة اليوم مع حلفائها حصرا، فهم وحدهم مسؤولون عن اخراجها من دائرة التأثير في الاحداث اللبنانية.