لا تقدّم إيران شيئاً جديداً في أدائها المألوف إزاء الخارج العربي والإسلامي والأجنبي.. بل هناك استمرار لتلك الازدواجية، المزدوجة بدورها! أولى تتعلق بالداخل وبثنائية الحكم الدستوري ومؤسساته من جهة، والحكم بالأمر الواقع المتمثل بـ»الحرس الثوري» ومؤسساته من جهة أخرى. وثانية تتعلق بالخارج.. وهذه وليدة تلك!
وازدواجية إيران إزاء الخارج كانت تخبو أحياناً لصالح تظهير موقف واحد حيث «المرشد» هو المرجع الأول والأخير! وكانت تنفجر أحياناً أخرى بطريقة مشابهة لما يحصل راهناً بزعم «رد الفعل» على الإجراءات السعودية الأخيرة: تعتدي مجموعات منظمة على سفارة المملكة في طهران وقنصليتها في مشهد، ثم يعلن الرئيس حسن روحاني شخصياً امتعاضه التام من ذلك! ومثله تفعل وزارة الخارجية التي يرعاها الوزير ظريف والذي يُعتبر بدوره واحداً من «وجهين» اثنين لإيران في العالم.. حيث الوجه الآخر هو الجنرال قاسم سليماني تحديداً.
والازدواجية في الشكل تعكس ازدواجية أخطر في المضمون، بحيث أن إيران «الإسلامية» لا تتردد في بناء مجمل استراتيجيتها الاستحواذية على أركان المذهب بكل تفاصيله! وإيران الداعمة لـ»المستضعفين» لا تتردد في مدّ الطغاة بكل مدد متوافر! وإيران الباحثة عن «رفعة الأمة» لا تتردد في اعتماد سياسات قومية تجعل (وجعلت!) من هذه «الأمة» أمماً شتى! وإيران الداعمة لـ»المقاومة» ضد إسرائيل لا تتردد في توجيه كل تلك «المقاومة» لقتال كل الناس إلاّ إسرائيل!
وإيران التعبئة المستدامة ضد «النفوذ الأجنبي» في بلاد المسلمين، لا تتردد في استدعاء ذلك النفوذ إذا كان مناسباً لهواها! وإيران المتباهية بامتداد نفوذها و»صحوتها» إلى الجوار العربي، من صنعاء إلى بيروت، تتصرف وكأن هذا الجوار العربي هو الذي «يتدخل» في شؤونها الداخلية! أو هو الذي يحاول زرع نفوذه في أقاليمها وسياساتها! وبين أقوامها!
تحت تلك العناوين العريضة والعامة، هناك العشرات من العناوين الفرعية التي تعكس في المحصّلة، نهجاً جذرياً يقول بعدم التعفف عن أي وسيلة طالما أنها تقرب من الهدف.. وفي ذلك لا تأخذ القيادة الإيرانية في اعتباراتها أو حساباتها «حقّ» الآخرين، المستهدَفين والمعرَّضين والموجودين بالضرورة في خانة المتضررين والضحايا، في إظهار رد فعل على فعلها! وتستهجن المعطى في ذاته، قبل أن تستهجن ترجماته الفعلية. وهذا نمط مألوف عند أصحاب اليقينيات المقدّسة وخصوصاً منهم هؤلاء الذي ينسبون يقينياتهم إلى الذات الإلهية مباشرة، ويعتبرون التصدي لسياساتهم خروجاً عن النص المنزّل!
يمكن في مكان ما الافتراض بأن المشكلة في أداء إيران الخارجي تتصاعد تبعاً لاقتراب اللحظة الخاصة بالاختيار بين «الدولة» و»الثورة».. لكن ذلك وغيره لا يلغي واقعاً خارجياً مُستجداً يقول بأن «إيران الداخل» شأن خاص بأهله، لكن «إيران الخارج» شأن يتعلق بأهل ذلك الخارج! وأن هؤلاء قرروا التصرف على هذا الأساس، وبكل وضوح ممكن.