Site icon IMLebanon

يجب إحالة بعض نواب الأمّة إلى العدالة

 

 

أستهِّل مقالتي بمقاربة توضيحية عن مهام النائب في البرلمان فهو المُشرّع والساهر على عمل المؤسسات بينما في لبنان تُستخدم مفاهيم بعيدة كُلْ البُعد عن العمل التشريعي وهناك مفهوم مغلوط حول مهام النائب، وكأنّي بالنائب هو مُجرّد دُمية في يد رئيس لائحة ما أو إذا جاز التعبير هو رقم يُرتكن إليه في الإستحقاقات التي تعني صاحب اللائحة. النائب اللبناني ويا للأسف تحوّل إلى ساعي بريد وعفواً على هذا التوصيف يُريد رئيس لائحته أنْ يكون مِطواعاً بين يديه ويُقدِّم واجب العــزاء أو الفرح بالإنابة عن رئيس لائحته، ويُقدّم خدمة رخيصة كسبها من الخزينة على حساب الشعب، وغالباً ما نسمع في قُرانا ومُدُنِنا «أنّ النائب الفلاني خدمنا» بينما خدمته هي من صميم المال العام المُجبى من الشعب.

دُستورياً إنّ الشعب هو صاحب السيادة ويُمارسها عبر المؤسسات الدستورية من خلال قوانين إنتخابية تُراعي التمثيل الصحيح للشعب اللبناني ووفقاً لتقسيم الدوائر التي تُراعي كل المتطلبات عكس ما حصل في الدورتين الأخيرتين من تشويه للقانون والذي اُجرِيًت على أساسه الإنتخابات وكانت النتيجة صفر تشريع وصفر ديمقراطية. إنّ السيادة الشعبية في القانون تعتبر أنّ النائب بوصفه ممثل للشعب واجبه القانوني أنْ يعمل لصالح الشعب وبالإنابة عنه لأنه وكّله بهذه المهمّة، وشرعية النائب تنبع من التفويض الشعبي الناجم عن الإنتخابات هذا على المستوى القانوني، أما على المستوى الحالي فهناك عملية تزوير ممنهجة ومُغلّفة بتقاطع مصالح غُـبَّ الطلب فيما بين المكوّنات السياسية اللبنانية و«على عينك يا تاجــر البشر».

القانون واضح لا لُبْسَ فيه حيث يُشير إلى أنّ للنائب وظيفة تشريعية وهي وفقاً للقانون الوظيفة الأساسية التي لا يعلو عليها أي وظيفة ولا يمكن تأجيلها أو التهرُّب منها وذلك إستناداً إلى المادة /18/ من الدستور والتي نصّت على أنّ لمجلسي النوّاب والوزراء حق إقتراح القوانين ولا يمكن نشر أي قانون أو اعتباره ساري المفعول ما لم يُقِرّهُ المجلس النيابي، وهذا يعني أنّ للنائب دوراً مهماً ورئيسياً في العملية التشريعية سواء في إقتراح القوانين أو عند مناقشتها في اللجان أو لدى طرحها أمام الهيئة العامة للتصويت، وهنا أودّ تذكير القارئ الكريم إلى ما حصل في الجلسة النيابية الأخيرة بين النوّاب وما نُسِبَ من كلام لا يليق بقبّة البرلمان وهذه مخالفة للنظام الداخلي توجب مساءلة أصحابها عنها.

إنّ النظام الداخلي للمجلس النيابي وإستناداً للمادة العاشرة منه تسمح للنائب تقديم إقتراحات قوانين تهم الشعب وتؤمن كل حاجياته وبما في ذلك أيضاً إقتراح تعديلات على بعض القوانين المعمول بها أو تطويرها وفقاً للأصول، كما أنّ حق إقتراح أي قانون هو حق مطلق لأي نائب. وكل قانون مقترح من قبل أحد النوّاب يُحيله رئيس مجلس النوّاب إستناداً للمادة /102/ من النظام الداخلي على اللجان المختصة للبتّ به وإيداعه الحكومة للإطلاع عليه.

مرفوضة لغة التخوين والتكبُّر والإستعلاء والكلام البذيء في حضرة البرلمان ورئيسه، وليعلم كل النوّاب أنّ المناقشات في الجلسات هي من مقتضيات الوظيفة النيايبة وبالنظام حيث بواسطتها يتوّلى النوّاب إلى إعتماد أفضل الحلول المطروحة لأي مشروع أو مشروع قانون. إنّ المناقشات يجب أن تكون موضوعية علمية قانونية مع الإشارة أنّ لكل نائب الحق في الكلام وإبداء الرأي وفقاً للمادة /69/ من النظام الداخلي، كما أنّ النظام الداخلي إستناداً للمادة /72/ منه تُجيز للنائب إعادة إبداء الرأي ثانية، وهذا لا يعني أنه مسموح التصرُّف كما حصل في الجلسة الأخيرة… هذه أمور معيبة لا يمكن قبول تكرارها أو حتى المرور عنها مرور الكرام والقصة لا تنتهي بإتصال إعتذار من هنا وهناك…

إنّ ما يحصل في المجلس النيابي حالياً يدحض كل مقومات النظام الديمقراطي وهذا أمر مستهجن وغير مقبول ومن حقنا كشعب لبناني المشاركة في إدارة الشؤون العامة وهذا الأمر جد ضروري والمساءلة هي الأكثر فعالية لكي نُشارك في الحكم ولكي نُسمِع أصواتنا للذين صوّتنا لهم. إنّ المساءلة هي حق شرعي أقرّتها شرعة حقوق الإنسان، كما يجب أنْ يكون هناك ذهنية نيابية تُحترم فيها حقوق الإنسان ويتمتّع فيها جميع الأفراد بهذا الحق حق المساءلة، ولا سيّما بالحق في المساواة وفي عدم الإهمال المتعمّد والحق في حرية التقييم والحق في المساءلة القانونية.

الحرمان – الأمن المتفلّتْ – الغلاء – البطالة – السيادة المنتهكة – الديمقراطية المُغيّبة – الجوع – الهجرة – فقدان الطبابة والتعليم والمواصلات، كلها أمور نعاني منها منذ سنوات وكلما راجعنا مرجعاً دولياً كانت الإجابة راجعوا حكّامكم بالأول وسائلوهم… وفقاً لعلم القانون إنّ المساءلة لها ثلاثة أبعاد وهي تشير إلى إلتزام القائمين على السلطة بتحمُّل المسؤوليات عن أفعالهم وتبريرها للأشخاص الذين يُعانون من تصرفاتهم وخضوعهم لكل أشكال العقوبات القابلة للإنفاذ إذا تبيّن أنّ سلوكهم أو تبريرهم غير مرضيين. وتُعدّ المساءلة حجر الأساس لإطار حقوق الإنسان وهي بحد ذاتها منظومة من القواعد التي تحكم العلاقة بين المسؤول في السلطة وأصحاب الحق الذين يتأثرون بأفعالهم.

من هذا المنطلق وبعد إستشارة العديد من القانونيين أبلغوني أنه بإمكان الشعب اللبناني إستناداً لشرعة حقوق الإنسان وInternational Human Right Law والدستور اللبناني يحق لأي مواطن لبناني مساءلة نوّابه وفقاً لقانون العقوبات اللبناني – الفصل الثاني المادة /301/ والتي تنص «يعاقب بالاعتداء الذي يستهدف دستور الدولة بطرق غير مشروعة بالاعتقال المؤقت خمس سنوات على الأقل وتكون عقوبة الاعتقال المؤبد إذا لجأ الفاعل إلى العنف» المادة /304/ والتي تنص «الاعتداء الذي يقصد منه منع السلطات القائمة من ممارسة وظائفها المستمدّة من الدستور يُعاقب عليها بالاعتقال المؤقت أو بالإبعاد» القانون صادر في الجريدة الرسمية عدد 4104 تاريخ 27/10/1943 صفحة: 1 – 78.

لن نقبل أنْ نعيش في زمن غريب حيث الرخيص أصبح يتظاهـر بالعزّة والخائن يتحدّث عن الوفاء والمنافق يُجادل في الصدق ، سأسعى بكل ما أوتيت من جهد وبمعاونة زملاء باحثين ومراجع قانونية فقهية لتقديم شكوى بحق بعض نوّاب الأمّة لتقاعسهم عن القيام بالمهام الموكلة إليهم شرعياً، ليُبنى على الشيء مقتضاه.

 

* كاتب وباحث سياسي