Site icon IMLebanon

“فشل” مزايدة السوق الحرّة: “باك” العارض الوحيد

 

العلّية: لا بدّ من مواجهة المتطاولين على المال العام أياً كانت مواقعهم

 

 

لم يكن توقيت صدور قرار مجلس شورى الدولة يقضي بإبطال مزايدة السوق الحرة في مطار بيروت بعد نحو 5 سنوات على اجرائها، عشية إعلان وزارة الأشغال العامة – مديرية الطيران المدني عن إجراء مزايدة علنية لإدارة واستثمار مساحات مخصصة للبيع بالمفرق في مبنى محطة الركاب ومبنى الطيران العام في مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت، بريئاً… بدليل «فشل» المزايدة التي انتهت أمس مهلة تقديم عروضها في إدارة المناقصات.

 

بالتفصيل يتبيّن أنّ عارضاً وحيداً تقدم بعرضه، يرجّح أن تكون شركة «باك» التي يملكها محمد زيدان، والتي تتولى إدارة السوق الحرّة بعدما فازت بالمزايدة التي أجريت في العام 2017 بعد تقديمها السعر الأعلى وقد بلغ يومها، 111 مليار ليرة لبنانية، خصوصاً وأنّ وزارة الأشغال لم تعدّل دفتر الشروط القديم على نحو كبير، وإنما جرى فقط رفع سعر الافتتاح إلى 850 مليار ليرة لبنانيّة، وعن كلّ راكب 3,5 دولارات». هذا مع العلم أنّ المعطيات تشير إلى أنّ أربع شركات سحبت العرض من إدارة المناقصات، بينها شركة «ورلد دوتي فري غروب» التي تقدمّت بالمراجعة أمام مجلس شورى الدولة الذي، خلافاً لرأيه السابق، قرر إبطال المزايدة بعد خمس سنوات من إجرائها.

 

ففي 27 نيسان 2017، أُجريت في إدارة المناقصات مزايدة لادارة واستثمار مساحات مخصصة للبيع بالمفرّق في مطار بيروت، بالاستناد الى دفتر شروط خاص وضعته وزارة الأشغال العامة والنقل- المديرية العامة للطيران المدني (يومها كان يوسف فنيانوس وزيراً للأشغال)، دققته ووضعت ملاحظاتها عليه إدارة المناقصات في التفتيش المركزي. المزايدة أسفرت عن رفع بدل الاستثمار من 15 مليون دولار الى ما يزيد على 100 مليون دولار في السنة، آخذة في الإعتبار البدل الثابت سنوياً، مضافةً اليه العلاوة المتغيّرة والمرتبطة بعدد الركاب المسافرين عبر المطار.

 

أمّنت ادارة المناقصات ظروف المنافسة كاملة للمزايدة، وتسلمت 5 عروض للمشاركة فيها، حوّلتها وفقاً للأصول الى لجنة التلزيم التي رفضت عرضاً عائداً لإحدى الشركات (شركة ورلد دوتي فري غروب)، لأن شهادة «الأيزو» المطلوبة صادرة باسم شركة أخرى غير الشركة صاحبة العرض الأساسي.

 

ويتبيّن من محضر جلسة المزايدة، أنّ العرض رقم 13877 العائد لشركة «ورلد دوتي فري غروب»+ شركة 3DF القابضة بموجبه عقد شراكة، قد «رُفض لتضمين الغلاف الأول نسخة عن شهادة آيزو 9001/‏ 2015 عائدة لشركة أخرى غير الشركة العارضة الأساسية خلافاً لأحكام دفتر الشروط الخاص بالمزايدة ولتوضيحات إدارة المناقصات».

 

في إطار رقابته الادارية المسبقة، عُرض الملف على ديوان المحاسبة الذي كلَّف خبير «ايزو» دراسة الملف، كما أخذ رأي مؤسسة المواصفات والمقاييس اللبنانية. فكانت النتيجة أن «قرار اللجنة برفض العرض في محلّه، وان لا إخلال بموجبات المنافسة، فوافق على المزايدة بقراره رقم 1022 ر. م تاريخ 29-05-2017».

 

أما الشركة فلجأت الى قضاء العجلة الاداري الذي توصل في قراره الابتدائي رقم 657 تاريخ 23-05-2017 الى اعتبار قرار لجنة التلزيم في محله، ولا يخلّ بمبادئ المنافسة. كما اعتبر مجلس الشورى نفسه غير مختص كقضاء عجلة في حكمه الاستئنافي رقم 792 تاريخ 13-07-2017 كون العقد قد تم توقيعه.

 

في 14-08-2017، تقدمت الشركة بمراجعة إبطال أمام مجلس الشورى بالموضوع نفسه، مدليةً بالأسباب والوسائل ذاتها، طالبةً وقف تنفيذ قرار وزير الاشغال بالموافقة على المزايدة، فردّ مجلس شورى الدولة طلبها، وذلك بموجب قراره الإعدادي رقم 3 تاريخ 05-10-2017، ثم عاد وأبطل المزايدة بقراره رقم 495 تاريخ 26-05-2022، أي بعد حوالى خمس سنوات، مع العلم أنّ أي وقائع جديدة لم تستجد على الملف لكي يُبرر «تجميده» طوال هذا الوقت.

 

وفق بعض المتابعين، فإنّ علامات الاستفهام أحاطت بالشركة المستدعية، منذ لحظة تقديمها للعرض ورفضها من جانب لجنة التلزيم، أي قبل خمس سنوات، بحيث حاول أكثر من مسؤول التدخل في سبيل رفع شرط «الأيزو» لكي تتمتع الشركة بشرط المنافسة الجدية، لكنّ إدارة المناقصات لم تستجب لهذا الطلب.

 

لذا بدا توقيت صدور قرار مجلس شورى الدولة، عشية الإعلان عن إجراء المزايدة الجديدة، كأنه يُراد منه الضغط من جديد على إدارة المناقصات لرفع هذا الشرط من دفتر الشروط، مع العلم أنّ وزارة الأشغال هي التي تتولى وضع الدفتر، ولهذا سارع وزير الأشغال العامة علي حمية ورئيس إدارة المناقصات جان العلّية إلى التأكيد على عدم المسّ بالدفتر. وهذا ما حصل فعلياً.

 

أبقى الدفتر على شرط «الأيزو»، ولم تتجرأ شركة «وورلد دوتي فري» بالاستناد إلى القرار الصادر عن مجلس شورى الدولة على القفز فوق هذا الحاجز، خصوصاً وأنّ المعنيين يؤكدون أنّه لا يجوز الأخذ بنصّ القرار القضائي، كونه ليس مبرماً، وهو قابل لإعادة المحاكمة، أي غير نافذ، مع العلم أنّ المعلومات تؤكد أنّ الشركة طلبت من وزير الأشغال اسقاط هذا الشرط من الدفتر، الأمر الذي لم يحصل، كذلك توجهت بكتاب إلى إدارة المناقصات تطلب فيه تخفيض قيمة الأعمال التجارية للعارضين إلى سبعة ملايين دولار، وهو شرط قد يسمح لشركات صغيرة الحجم غير ذات خبرة في هذا المجال، بدخول المزايدة، كذلك لم تستجب إدارة المناقصات لهذا الطلب.

 

بالعودة إلى المزايدة الأخيرة، فإنّ بقاء عارض وحيد، يعني عدم فتح العرض من جانب لجنة التلزيم، وبالتالي سيعيد رئيس إدارة المناقصات الملف إلى وزارة الأشغال التي ستكون مضطرة إلى إعادة الإعلان عن موعد جديد للمزايدة. إلا أنّ هذه الخطوة دونها إشكالية قانونية وهي دخول قانون الشراء العام حيز التنفيذ في 29 الجاري، اذ تنصّ المادة 113 من القانون المذكور على أنّه «تُطبّق على عمليات الشراء الجارية والتي تمّ الإعلان عنها قبل دخول هذا القانون حيّز التنفيذ، القوانين النافذة بتاريخ الإعلان عن الشراء»، ما يعني أنّ المزايدة الجديدة محكومة بالقانون الحالي طالما أنّ الإعلان عنها يسبق نفاذ قانون الشراء العام، لكن المادة 88 منه، تنصّ على إلغاء إدارة المناقصات ونقل ملاكاتها والعاملين فيها إلى هيئة الشراء العام. وبالتالي كيف يمكن لإدارة المناقصات أن تجري المزايدة بعد تحوّلها إلى هيئة شراء عام؟

 

ولهذا يقول رئيس إدارة المناقصات جان العلّية لـ»نداء الوطن» إنّه بصدد دراسة هذه الاشكالية من الناحية القانونية لتبيان كيفية معالجتها منعاً للوقوع في أي ارباك قانوني. أمّا لماذا تراجعت الشركات عن تقديم عروضها رغم أنّ المزايدة تستهدف قطاعاً ناشطاً، فيشير إلى أنّ قرار مجلس شورى الدولة وضع العارضين أمام واحد من احتمالين:

 

إمّا أن تقبل لجنة التلزيم بعرض يتّفق مع قرار «الشورى» ولا يتوافق مع دفتر الشروط، ما يعني نجاح التهويل الذي تمّت ممارسته من خلال السماح للشركة المعترضة بالمشاركة «عنوة» في المزايدة.

 

وإما تعطيل المزايدة من خلال فرض واقع جديد وهو الإبقاء على عارض وحيد لخشية العارضين الآخرين من انعدام الضمانة بعد قرار «الشورى» بإبطال المزايدة بعد خمس سنوات من إجرائها.

 

ولهذا يدعو العلّية مجلس النواب لوضع يده على الملف برمته من خلال تشكيل لجنة تحقيق واستدعاء المعنيين، علماً بأنّه سيدلي في حال استدعائه إلى التحقيق بما لديه من حقائق ووثائق ومستندات، وإلّا فإنّه سيبادر إلى تقديم إخبار بحقّ المتدخلين والمتسببين بإفشال المزايدة أياً كانت صفاتهم ومواقعهم، خصوصاً وأنّ تعطيلها سيحرم الخزينة من إيرادات هي بأمسّ الحاجة إليها، كون المستثمر الحالي يدفع 111 ملياراً سنوياً فيما سعر افتتاح المزايدة الجديدة، كان 850 مليار ليرة سنوياً بالإضافة إلى فارق العلاوة بالدولار عن كل مسافر.

 

وختم العلّية بالقول إنّ «لهجة المؤتمر الصحافي الذي عقده في 16 حزيران الماضي هي الحد الأدنى في المرحلة القادمة لمواجهة المتطاولين على الادارات العامة والمال العام أياً كانت مواقعهم».