انهار كل شيء في لبنان.
وبقي شيء واحد لا يتزعزع.
هو الواجب.
وهو سار في الأتراح، أكثر من سريانه في الأفراح.
ولا عجب أن يسافر معظم الأفرقاء الى الرياض، فالتعزية بالملك عبدالله واجبة.
والتهنئة باعتلاء خادم الحرمين الشريفين واخوانه في الحكم الجديد، واجبة أيضاً ومطلوبة.
في الحياة العامة، وفي لبنان خصوصاً، فإن الواجب وحده، هو السائد.
والمحافظة عليه هي أحد أبرز استمرار البلد، ووقوفه على قدميه، وثباته على مقومات وجوده.
لذلك، فإن الواجب هو من سمات بقاء لبنان على خصائصه.
كان طه حسين يؤكد في كتابه بيْن بيْن أن الواجب هو نوع من التربية الاجتماعية.
وان المحافظة عليها، دليل على الوفاء وبرهان على الاخلاص.
… وتعبير عن صمود العرفان بالجميل، عند المواطن.
وان انساناً يتجاهل الواجب، هو انسان فقد حاسته الانسانية.
وهذا ما يتوارد على كثيرين، عندما شاهدوا، أو لاحظوا السفر الكثيف الى الرياض، للتعزية أو للتهنئة في يوم واحد، تحت شعار مأثور: مات الملك عاش الملك.
كيف لا، والمملكة العربية السعودية صديقة وفية للبنان في السرّاء والضرّاء.
ووقفت الى جانبه في معظم الملمات التي أصابته أو واجهته.
ولا شأن في ذلك، مدى صداقة أو عراقة أو خلاف أو الاختلاف بين البشر.
ذلك ان عباس محمود العقاد، كان صلباً في خصومته، وقريباً من القلوب وودوداً، عند أي واجب.
***
ماذا بقي من لبنان، غير الواجب؟
المحنة ضربت المؤسسة العسكرية.
والمصائب عصفت في الحياة السياسية.
والخطف، خطف الفرح من قلوب الناس.
والارهاب جاثم على لبنان، في الشمال وفي البقاع.
ويعرّج على الفيحاء وصيدا ويحلّ في بيروت.
ويتوقف في عرسال ويقف على أبواب بريتال.
وفي هذه المحن كلها، لم يجد لبنان غير السعودية تقف معه.
تناوئ بحزم الارهاب ودعاته.
وتصادق التعقل والعقلاء.
وتقوم بتسليح المؤسسات الأمنية والعسكرية لدحر داعش والنصرة.
ومن يعاتب أو يسائل القائمين بالواجب، هم وصل بهم العقوق، الى حدود الافلاس من الخلق والوفاء.
والواجب هو في مثل هذه الحال، قمة الوفاء والتربية والصفات الطيّبة والحميدة!!