IMLebanon

دينامية التدمير الذاتي  تحتاج الى دينامية معاكسة

كيفما أدار المراقب نظره في أرجاء المنطقة، وجد أوضاعاً في كل بلد عربي معني وتوازنات داخلية، تم تشبيكها ببعضها بعضاً بطريقة مستعصية على الحل الى أجل غير مسمّى. ولم يأتِ ذلك من باب الصدفة والقضاء والقدر، بل كان نتاج عقول استراتيجية مخطِّطة رسمت أهدافها العامة القريبة والبعيدة، ليس فقط في هذه المنطقة حصراً، وإنما على المستوى العالمي ككل. والنتيجة العملية لهذا التشابك الداخلي المستعصي على الحل في كل بلد عربي معني، هي حراسة خريطة الأزمات المشتعلة هنا وهناك، وضمان استمراريتها، الى حين تحقيق الغايات المنشودة منها لمصلحة أصحاب تلك الاستراتيجية…

أوضاع متشابكة بهذه المواصفات، ومبنية على ديناميكية التآكل والتدمير الذاتي، مع تعذر الحسم وانتصار فريق على فريق ونهج على نهج، لا توجد حلول كثيرة للخروج من دوامتها. وبصيص الأمل الوحيد هو في امكانية كسر هذه الدائرة الجهنمية في مكان ما، بما قد يؤدي الى اطلاق دينامية في الاتجاه المعاكس، فيقوم في مكان ما من المنطقة العربية توجه جديد ينفض غبار الغفلة والعمى السياسي، ويؤسس لمصالحات داخلية، ويوجه الجهود في اتجاه مصادر الأخطار الحقيقية المدمرة للأوطان والأمة… ونجاح هذا التوجه في مكان ما، قد يقود الى اطلاق دينامية مصالحات على نطاق أوسع…

تقليدياً، كانت الدولتان العربيتان القادرتان على إحداث مثل هذا التحول هما: مصر والمملكة العربية السعودية. غير أن الواقع العربي الراهن يشير الى انسداد في وجه تحقيق مثل هذه الامكانية. ومصر اذا كانت راغبة في ذلك فهي غير قادرة عليه. والمملكة اذا كانت قادرة عليه فهي غير راغبة فيه. وهذه هي طبيعة العقدة المستمدة من مواصفات المأساة الاغريقية التي ينبغي أن يتفهمها بلد هش مثل لبنان الذي استطاع – بما يشبه الأعجوبة – من النجاة بنفسه حتى الآن من الغرق في اعصار الدم والدمار الذي يعصف بالمنطقة…

قد يكون لبنان هو البلد العربي الوحيد القادر، في مكان ما، على كسر هذا التشابك في أزمته، بقدر قليل من التنازلات المتبادلة بين قواه السياسية… ولكنه أمر يتطلب قدراً كبيراً من الحكمة والرؤية والذكاء والتضحية بالمكاسب الآنية الصغيرة للفوز بالمكسب الآجل الكبير. واذا نجح لبنان بكسر هذا التشابك على أراضيه، فقد ينجح في اطلاق دينامية معاكسة خارجها… لعل وعسى!