IMLebanon

الحكومة الإلكترونية أداة فعّالة في محاربة الفساد

من المُتوقع أن يكون العهد الجديد عهد مُحاربة الفساد وذلك بحسب خطاب قسَم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتصريحات الأحزاب السياسية. هذا الأمر يفرض إستراتيجية تشمل إنشاء الحكومة الإلكترونية. فما هو دور هذه الأخيرة في محاربة الفساد في لبنان؟

لا توجد فعلاً تعابير مُمكن إستخدامها لوصف ظاهرة الفساد التي يعود عمرها إلى عمر البشرية، حتى إنّ الفلاسفة القدماء (أفلاطون، أريستوت وسواهما) إستخدموا لوصف هذه الظاهرة التعبير التالي: «تدمير كلّي لتأدية الواجب من خلال رشوة أو خدمة».

يُعرّف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الفساد على أنه «إساءة استخدام السلطة العامة لمصلحة خاصة من خلال الرشوة، الابتزاز، إستغلال النفوذ، المحسوبية، الغش، المال السريع، أو الاختلاس».

الفساد هو نتاج ضعف الحوكمة الرشيدة في المؤسسات والافتقار إلى القدرة على إدارة المجتمع من خلال إطار من الضوابط الاجتماعية والقضائية والسياسية والاقتصادية والتوازنات. وكلفة الفساد دفعت المجتمع الدولي في تسعينات القرن الماضي إلى زيادة الضغط على الدول لتحسين الحوكمة في المؤسسات من خلال الشفافية والمحاسبة.

وقام الباحثون في المجالات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية بوضع إستراتيجيات للحدّ من ظاهرة الفساد التي لا يُمكن محوها بالكامل بحكم أنها تُشكّل جزءاً من شخصية الإنسان والتي يُعبّر عنها الإقتصاديون بعبارة «المصلحة الذاتية العقلانية».

ومن هذه الإستراتيجيات، الإستراتيجية الرباعية الأسس التالية:

أولاً: الوقاية عبر القيام بإصلاحات إدارية تشمّل آليات العمل الإدارية، الحاسبية والمشتريات؛

ثانياً: تقوية الحوكمة وذلك من خلال وضع سجلّات خاصة وإنشاء نظام رقابي فعّال ومُندمج بآليات العمل؛

ثالثاً: وضع المعلومات في تصرّف الإعلام وعامّة الشعب (القطاع العام) وذلك من خلال قواعد البيانات التي تمتلكها المؤسسة؛

رابعاً: بناء القدرات وذلك من خلال تعزيز أنظمة الحوكمة والعمليات كما وتأمين التدريبات اللازمة وتعزيز ثقافة محاربة الفساد.

الحكومة الإلكترونية هي الوسيلة التي مُمكن أن تُنفذ الإستراتيجيات الآنفة الذكر في القطاع العام. فالحكومة الإلكترونية هي عبارة عن إستخدام التكنولوجيا (وبالتحديد الحاسوب إضافة إلى برامج مُختصّة – Workflow) في العمليات التي تقوم بها المؤسسة. هذا الأمر يؤدّي إلى فعّالية أكبر في الأداء من خلال السرعة في تنفيذ العملية وتفادي فقدان الأوراق والتدقيق في العملية والأخطار التشغيلية الناتجة عنها.

أضف إلى ذلك أنّ الوصول إلى المعلومات يُصبح أسهل من خلال الحاسوب وبالتالي يُمكن نشر المعلومات (التي يتمّ إختيارها) لعامّة الشعب من خلال بوابة إلكترونية أو من خلال الهواتف الذكية. كلّ هذا يزيد الثقة بين المواطن والإدارات العامّة التي تزيد مع إزدياد مُستوى الشفافية والسماح للمواطن بالوصول إلى ملفه الشخصي.

على المُستوى الاقتصادي، يُمكن القول إنّ الحوكمة الإلكترونية تعود بالفائدة على كلّ الاقتصاد من خلال العدالة بين اللاعبين الإقتصاديين والتي تسمح بتوزيع عادل للثروات وبالتالي تقلّ الكلفة على الاقتصاد ويزيد النمو الاقتصادي.

ويبقى السؤال عن الآلية التي تسمح للحكومة الإلكترونية من الحدّ من الفساد؟

إنّ أيّ نظام (برنامج على الكمبيوتر) يُستخدم للحوكمة الإلكترونية، يجب أن يستند إلى الإستراتيجية الآنفة الذكر أي الوقاية، تقوية الحوكمة، وضع المعلومات بالتصرّف، وبناء القدرات. هذا الإستناد يعني بكلّ بساطة أنّ البرنامج الذي سيُستخدم يجب أن يتمّ تصميمه على أساس هذه القواعد الأربع.

إنّ إستخدام الحكومة الإلكترونية يُساعد على زيادة الشفافية، تسريع العمليات، السماح بتعقّب العمليات، يجعل العمليات تعتمد على قواعد مكتوبة، يسمح بالحفاظ على سرّية الموظف والعمليات، يسمح بنشر أسهل للمعلومات كما وتجميعها من عامة الشعب، يُقلّل من التعاطي المُباشر بين الموظف وعامة الشعب، ويسمح بالمحاسبة ويحدّ من سلطة الموظف. بالطبع كلّ هذا يلجمّ ظاهرة الفساد بحكم أنّ الأنظمة الإلكترونية تسمح

يتعقب العمليات وكشف عمليات الغش وفاعلها.

أضف إلى ذلك فإنّ الحوكمة الإلكترونية تسمح بتقديم الخدمات بين الإدارات العامة في ما بينها دون اللجوء إلى البريد العادي والذي يأخذ الكثير من الوقت مع ما تحمله هذه العملية من مخاطر تشغيلية (فقدان أوراق…).

أيضاً يُمكن للحوكمة الإلكترونية أن تُقدّم الخدمات للشركات والأفراد وكلّ هذا من خلال إستخدام الوسائل الإلكترونية كالمواقع الإلكترونية والهواتف الذكية والكاميرات وغيرها.

الجدير بالذكر أنّ البصمات من خلال أجهزة التلفون تُسهّل عملية التعرّف الى الشخص أو من خلال القرنية أو حتى الوجه وهذا الأمر يمنع الفساد والغش وإنتحال الشخصيّة. وبالتالي نستنتج أنّ كلّ القطاعات الإقتصادية ستستفيد من هذه الخدمات (الصناعة، الزراعة، الخدمات العامّة والخاصة).

لكن مثل هذا المشروع يحتاج قبل كلّ شيء إلى وضع قوانين جديدة تسمح بتفيذ هذا المشروع من طريقة تنفيذ العمليات إلى وسائل قبض ودفع الأموال مروراً بتجميع المعلومات وتشاركها بين مُختلف الإدارات ونشرها على الوسائل الإلكترونية.

يحتلّ لبنان المرتبة ١٢٣ من أصل ١٧٥ على لائحة الفساد ويأتي بذلك أمام الصومال وخلف مصر والسعودية وإسرائيل وقبرص. بالطبع هذا التصنيف سيّئ لأنه يضرّ بالإقتصاد خصوصاً الإستثمارات الأجنبية المُباشرة التي تخشى الفساد.

أيضاً هذا الأمر يؤثر على التصنيف الإئتماني للدولة اللبنانية ويُقلل من شهيّة المصارف الأجنبية على التعامل مع المصارف اللبنانية ويزيد من الخسارة الناتجة عن غياب الفرص الإقتصادية.

من هذا المُنطلق، يتوجب على الحكومة اللبنانية الشروع بتحضير مشروع قانون لتطبيق الحوكمة الإلكترونية وذلك كجزء من الإصلاحات الإقتصادية التي يحتاجها لبنان والتي ستسمح بتوفير أموال على الخزينة العامة وتزيد من النموّ الاقتصادي.

أضف إلى ذلك أنّ لبنان الذي يتحضّر لدخول نادي الدول المُنتجة للغاز والنفط، يحتاج إلى محاربة الفساد تحت طائلة خسارة الرافعة الناتجة عن إستخراج الثروة النفطية. من هذا المُنطلق، نرى أنّ الحوكمة الإلكترونية هي أداة فعّالة في محاربة الفساد وتعميميها على كلّ الإدارات سيرفع من نوعية وسرعة الخدمة العامّة ويزيد الثقة بالإقتصاد وبالإدارة العامّة التي وصلت إلى الحضيض مع ملف النفايات والكهرباء.

نصف قرن مرّ منذ أخر إصلاحات فعليّة قامت بها الدولة اللبنانية (على عهد الرئيس فؤاد شهاب). بالطبع تطوّر المُجتمع وبالتالي فإنّ الإصلاحات الإقتصادية والإدارية أصبحت أكثر من ضرورة للنهوض بالإقتصاد اللبناني. فهل يتمّ إجراء هذه الإصلاحات على عهد الرئيس ميشال عون؟