عندما قال فلاديمير بوتين إنه لا ينوي ان يغرس رأسه في النزاع السوري كانت مقاتلاته تلقي قنابلها في محافظات حمص واللاذقية وحماه بعيداً من مواقع “داعش” في الرقة والحسكة، لكن هذا يثبت عملياً ان بوتين بات الآن غاطساً في المستنقع الدموي السوري الى ما فوق أذنيه.
أولاً لأنه منذ البداية، كان شريك الاسد في الاصرار الأعمى على الحل العسكري، الذي تسبب بتدمير سوريا وقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين من السوريين، وكذلك في إحباط كل الحلول السلمية بإجهاضه الدائم لعملية الانتقال السياسي وتمسكه ببقاء الاسد في السلطة وهو ما بات يمثل “عقدة أسدية أبدية”!
ثانياً لأنه بدأ عملياته العسكرية في سوريا على طريقة رجب طيب أردوغان، الذي أعلن الحرب على “داعش” ثم بدأ يقصف الاكراد، فها هو بوتين يعلن الحرب على “داعش” لكنه يقصف كل التنظيمات المعارضة للنظام السوري، وبهذا يغرس رأسه ليس في النزاع السوري فحسب، بل في الحسابات الاقليمية والدولية المعقدة التي تتقاطع فوق الازمة السورية.
ثالثاً لأنه انتقل من حماية مسرحية النظام وحروبه المزعومة على الإرهاب الذي ولد أصلاً من رحم المذابح التي ارتكبها، الى اقتحام صاخب للمسرح السوري بأحذية عسكرية ثقيلة وبسياسات ثقيلة أيضاً، عندما قال للجميع تنحوا جانباً الامر لي، وفي اعتقادي ان عرضه للقوة بهذه الطريقة ينطوي على جنوح استئثاري متهور سيضعه سريعاً في خلاف حتى مع حلفائه الايرانيين!
رابعاً على رغم الانتقادات الاميركية والدولية التي تتهم باراك أوباما بالهزال والتراجع والضعف، وبأنه في خسارته لسوريا أمام بوتين يمكن ان يتسبب بخسارة اميركا منطقة الشرق الاوسط وحتى الخليج، فإن طبيعة الصراع الذي ينخرط فيه بوتين والقواعد العمياء التي يطبقها عندما يتصرف وفق مفهوم أحمق وهو ان “كل من يعارض الاسد ارهابي يجب القضاء عليه”، سرعان ما ستجعله هو الارهابي الاول في نظر البيئات الإسلامية الكثيفة، التي تمتد من سوريا الى القوقاز وحتى الى داخل روسيا التي يشكل المسلمون فيها القوة الثالثة وبنسبة 18 في المئة من السكان.
لا تكفي بيانات النفي الروسية لحجب حقيقة كون الغارات قتلت 36 مدنياً بينهم أطفال ونساء في ريفي حمص وحماه، ولا تكفي بيانات الإدانة الاميركية لحجب جريمة تقاعس واشنطن عن المقتلة السورية منذ خمسة أعوام، وإذا كان أوباما يطبّق فعلاً نظرية “دعوا بوتين يجرّب حظه في سوريا” كما توحي التحليلات في واشنطن، فإنه لن يكون محظوظاً أكثر منه بل أكثر تورطاً في المستنقع الدموي، وخصوصاً عندما يعتبر ان كل معارض للأسد هو إرهابي يجب القضاء عليه، بما يضع معظم الشعب السوري أما في المقابر وإما في أحضان أبو بكر البغدادي!