مَن يقرأ محضر الجلسة الأولى من ثلاثية الحوار يلاحظ أن غالبية من المتكلمين، كان كل واحد منهم، يخاطب نفسه وجمهوره باعلان موقفه من القضايا المطروحة، ولم يكن يقيم حواراً مع الآخر. وبهذا المعنى كان ما يسمى ب الحوار هو مونولوغ فردي بين أطراف متعددة! وفي القضية الأولى المطروحة على النقاش وهي الشغور الرئاسي يعتمد طرفا الصراع المنطق نفسه، ولكن في اتجاهين متعاكسين! طرف يقول: أنا الرئيس أو لا أحد، وطرف يقول: أي رئيس الا أنت!
***
يتصرف القادة السياسيون وكأن الأزمة اللبنانية أحجية لا حل لها. وواقع الأمر أن الكل يتحمل المسؤولية عن هذا الوضع المهترئ الذي وصلنا اليه اليوم. ولمزيد من الدقة، فإن الأطراف كافة لا تتحمل المسؤولية بالتساوي، إذ أن بعضها يتحمل جانباً من الذنب أثقل من سواه. وفي هذا الوضع العام الذي ذاب وساح على بعضه بعضاً، تصبح معادلة الخروج من الأزمة من مسؤولية الطرف الأكثر تضرراً من استمرارها. وصحيح أن الشغور الرئاسي يضر بلبنان ومكوناته ككل، ولكن الصحيح أيضاً أن الأكثر تضرراً هم المسيحيون وبالأخص الموارنة…
***
للموارنة سياسياً خصوصية لا تنطبق على سائر مكونات الوطن. والفارق هو أن وحدة الموقف في كل من الطوائف الأخرى السنّة والشيعة والدروز لا تنتج رئيساً… ولكن كيف يكون عليه الوضع اللبناني، لو عقد الموارنة اجتماعاً مغلقاً في مرجعية تجمعهم، وأعلنوا وحدة قرارهم، وعلى ترشيح شخصية واحدة منهم – أياً تكن – فماذا ستكون عليه مواقف المكونات الأخرى؟ بالتأكيد ليس الرفض… وما دام وصلنا الى المأزق، وما دام لم يتحرك الموارنة بهذا الاتجاه في هذه الحشرة، فذلك سيترك للآخرين انطباعاً خاطئاً يصور وكأن الحالة المارونية، هي رجل لبنان المريض، بسبب عدم قدرة زعمائها على التوافق فيما بينهم، ويتطاحنون على الزعامة، فيما ينحسر ظل المسيحية في هذا الشرق ذي الغالبية الاسلامية…
***
كل هذا لا يحمل نوعاً من العذر القبيح لزعامات الطوائف الأخرى التي تغرق في مساومات بيع الحمص والذرة السياسي بالمفرق وبالقروش، وتغفل عن اجتناء عشرات ألوف المليارات من دولارات النفط والغاز!